ملفات خاصة

 
 
 

عن مهرجان كان الـ78:

فوز السياسي والاجتماعي وتراجع الفني

كان ــ محمد هاشم عبد السلام

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

اختتمت مساء أول أمس السبت 24 مايو/ أيار فعاليات الدورة الـ78 لـ"مهرجان كانّ السينمائي الدولي". وأُسدِلَ الستار على دورة كانت من أبرز الدورات التي عقدت خلال السنوات القليلة الماضية.

شهدت الدورة عرض أفلام عدة غاية في التميز والجدة والأصالة، سواء داخل "المُسابقة الرئيسية"، أو غيرها من الفعاليات. ما يعني أن "المُسابقة الرئيسية"، ودورة المهرجان، بصفة عامة، اتسمت بكثير من الحيوية، والمستوى الإبداعي المتنوع، والابتكار في طرح الأفكار والرؤى. لكن لم يبرز كثيرًا الاهتمام بالاشتغال البصري، والجماليات الفنية، والتجريب الشكلي. وهذا يمكن فهمه طبعًا في ضوء سيطرة القضايا السياسة والاجتماعية تحديدًا على مختلف الأفلام المعروضة، وحتى حصول أغلبها على جوائز المهرجان. ومن ثم، يمكن القول إن المهرجان الذي حاول بشتى السبل إمساك عصا السياسة من المنتصف، وتجنب الغرق في الأجواء العالمية الملتهبة، أو اتخاذ أية مواقف كانت، أجبرته الأفلام وصناعها ولجان التحكيم على أن يكون منبرًا لاستنكار ما يجري، وضرورة التصدي له، وإن فنيًا.

من بين 22 فيلمًا في "المُسابقة الرئيسية"، تنوعت مُوضوعاتها بين السياسي والاجتماعي والإنساني، نالت نصف أفلام المُسابقة، أو أكثر، استحسان النقاد والصحافيين، وشبه إجماع على جودة الاختيار. وخاصة الدفع بأسماء جديدة شابة من الجنسين في أكثر من قسم، بحضور نسائي لافت بعض الشيء، ولا سيما في التمثيل، الذي تميزت فيه أكثر من مُمثلة في أدوار مختلفة في أكثر من فيلم، وكان من المُحير فعلًا تخمين من ستنال جائزة "أحسن مُمثلة". وذلك، بعكس الأدوار الذكورية، والتي لم تبرز فيها أداءات لافتة على نحو ملحوظ هذا العام.

جوائز مُنصفة

في ما يتعلق بالجوائز الرسمية للدورة الـ78، التي جرت مراسم توزيعها على مسرح "لوميير الكبير"، ومُنحت بناء على قرارات أعضاء لجنة التحكيم برئاسة المُمثلة الفرنسية جولييت بينوش، وضمت في عضويتها خمس نساء وأربعة رجال هم: المخرجة الأميركية هالي بيري، والمخرجة وكاتبة السيناريو الهندية بايال كاباديا، والممثلة الإيطالية ألبا رورفاخر، والكاتبة الفرنسية المغربية ليلى سليماني، بالإضافة إلى المخرج وكاتب الأفلام الوثائقية والمنتج الكونغولي ديودو حمادي، والمخرج وكاتب السيناريو الكوري هونغ سانغ سو، والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج المكسيكي كارلوس ريغاداس، والممثل الأميركي جيريمي سترونغ، فقد جاء أغلبها في محله إلى حد كبير، ومتوقعًا من لجنة تحكيم كهذه.

"نالت نصف أفلام المُسابقة، أو أكثر، استحسان النقاد والصحافيين، وشبه إجماع على جودة الاختيار"

صحيح أن الأمر شابه بعض الاستغراب مع الإعلان التدريجي للجوائز، لكن مع الوصول إلى جائزة "السعفة الذهبية"، وإعلان الحاصل عليها، تجلت بعض الأمور، وأمكن للمرء تخمين كيف سارت الأمور والتداولات بين أعضاء لجنة التحكيم، للخروج بأفضل توليفة ممكنة من الجوائز، تضع السياسي والاجتماعي والإنساني في المقام الأول، ثم الاعتبار الفني والجمالي، رغم أن المُنافسة لم تكن هينة، وكان من الصعب فعلًا حسم كثير من الجوائز. لكن يبدو أن اللجنة كانت على قدر كبير من التفاهم، وربما الظروف العالمية المحيطة لم تدع لها مجالًا إلا التحلي بالشجاعة والجرأة والإقدام على منح جوائزها من منطلق سياسي وإنساني واجتماعي في الأساس. وهو أمر يمكن ملاحظته أيضًا في الجوائز المعلن عنها من جانب مختلف لجان تحكيم المهرجان هذا العام.

توزيع الجوائز

ذهبت أهم وأرفع جوائز المهرجان، "السعفة الذهبية"، إلى فيلم "حادث بسيط" للمخرج الإيراني جعفر بناهي، بعد سنوات طويلة من عدم استطاعته الحضور إلى كان لعرض أفلامه، نتيجة صدور أحكام عدة ضده بالسجن والمنع من العمل، وسحب جواز السفر. منح بناهي الجائزة، بصرف النظر عن مستوى الفيلم، يعد بمثابة رد اعتبار وتقديم الشكر والتحية له على كفاحه وصموده ومقاومته، ومواصلته العمل رغم ظروف المنع والإقامة الجبرية. وبعيدًا عن كون الجائزة بمثابة رسالة سياسية فنية للنظم السياسية على اختلافها في إيران، تعد أيضًا تتويجًا لمسيرة جعفر بناهي الفنية الحافلة، ليحقق بها إنجازًا نادرًا لم يتحقق في تاريخ السينما العالمية. إذ أصبح الآن من المخرجين النادرين جدًا ممن فازوا بجوائز المهرجانات الكبرى: "الدب الذهبي" لمهرجان برلين، و"السعفة الذهبية" لمهرجان كان، و"الأسد الذهبي" لمهرجان فينيسيا.

الفيلم الذي يطرح أسئلة سياسية وجودية إنسانية وأخلاقية بامتياز، بشكل مباشر وجريء، يتساءل عن كيفية التصرف لو وقع جلادك بين يديك ذات يوم، هل تذيقه العذاب نفسه، أو تكون رحيمًا به ومتسقًا وإنسانيتك؟ هذا هو الخيط العريض لحبكة فيلم "حادث بسيط"، الذي، رغم بساطته وتقشفه، ليس بسيطًا أبدًا.
أما "الجائزة الكبرى" فنالها فيلم "قيم عاطفية" للمخرج النرويجي يواكيم ترير. منذ عرض الفيلم، وأغلب الترشيحات تذكر أنه سيكون من بين الفائزين، وربما ينتزع "السعفة الذهبية". لكن، لأن الفيلم يميل أكثر لتناول الفني، السينما والمسرح تحديدًا، ضمن سياق إنساني عائلي، ودراما نفسية محكمة، وأداء قوي، ولا ينشغل بأبعد من هذا، ربما لم تر لجنة التحكيم أنه يستحق تلك الجائزة، وأنه من الأفضل تتويج ترير بالجائزة الثانية في الأهمية، لخلق بعض التوازن في ما يخص منح الجوائز
.

جائزة "أحسن إخراج" نالها المخرج البرازيلي كليبر ميندونسا فيلهو عن فيلمه "العميل السري". في جديده، يعود المخرج إلى فترة الحكم الديكتاتوري في البرازيل، أو ما يطلق عليه "عصر الفوضى"، حيث الاختطاف، والاعتقال القسري، والقتل، على أشده، في سبعينيات القرن الماضي. الفيلم سياسي بالأساس، وينتمي أيضًا إلى نوعية أفلام الجريمة والتحري والغموض.

وضمن السياق الاجتماعي المميز دائمًا لأفلامهما، نال فيلم "الأمهات الشابات"، للأخوين البلجيكيين جان لوك، وبيير داردن، التتويج بجائزة "أفضل سيناريو". لكن، هل كان السيناريو هو الأفضل فعلًا بين الأفلام المشاركة؟ سؤال يتعين طرحه وبقوة، خاصة في ظل تقديم المخرج الإيراني سعيد روستائي عبر فيلمه "أم وابن" درسًا بليغًا وفائق القوة في أسلوب وكيفية كتابة دراما مشوقة كما يقول الكتاب. لكن، بالطبع، كان صعبًا منح إيران جائزتين دفعة واحدة.

ليس معنى هذا أن سيناريو فيلم "الأمهات الشابات" على قدر من الضعف، أو السوء، أو الركاكة. بل بالعكس. لكن قوته تنبع في الأساس من موضوعه. وليس من تعقد خيوطه، ومهارة رسم شخصياته، ومواقفه المقنعة... إلخ. يتناول الفيلم قضية مُلحة في المجتمع البلجيكي والأوروبي عامة، وربما ذات طابع عالمي بعض الشيء، تتعلق بمشكلة الأمهات الشابات، بالأحرى المراهقات، اللاتي لم ينضجن بعد، وما زلن في مرحلة الدراسة، ولا يستطعن رعاية أطفالهن والاهتمام بهم، أو تكوين أسرة، وتحمل المسؤولية.

"فاز الفلسطينيان طرزان وعرب ناصر بجائزة "أحسن إخراج" عن فيلمهما الروائي الثالث "كان ياما كان في غزة""

أما جائزة "لجنة التحكيم" فذهبت مناصفة إلى فيلم "صراط" للمخرج الفرنسي الإسباني أوليفر لاكس، وفيلم "صوت السقوط" للمخرجة الألمانية ماشا شيلينسكي. وهي جائزة تحمل بعض التوازن، لكون الفيلمين غاية في التميز والقوة والفنية، رغم اختلاف عوالمهما والمعالجة. وكان حريًا باللجنة منحهما جائزة "أحسن إخراج"، ولو مناصفة، نظرًا لما تميزا به من اشتغال سينمائي في الأساس. مجددًا، نجد أنفسنا في الفيلمين في صدد السياسية، وإن بشكل غير مباشر بعض الشيء، خاصة في "صراط"، الذي لا ينشغل موضوعه بالسياسة أبدًا، بل بالصحراء، ورحلة الطريق، والموسيقى الصاخبة، وحياة الصعلكة، لكنه مع ذلك في قلبها. في حين كانت حبكة "صوت السقوط"، الذي لفت الانتباه فور عرضه في الأيام الأولى، متمحورة حول السياسة، عبر أربع نساء من أجيال مختلفة، يعاين الحرب من وجهات نظر مختلفة.

ذهبت جائزة "أحسن مُمثلة" إلى الممثلة الفرنسية التونسية الشابة نادية مليتي عن دورها في فيلم "الصغيرة الأخيرة"، للمخرجة الفرنسية التونسية حفصية حرزي. جائزة رشحت لها وبقوة أكثر من ممثلة، مثلًا الأميركية جينيفر لورانس عن دورها في فيلم "مت، يا حبيبي". لكن، ذهبت الجائزة إلى مليتي عن دور المراهقة فاطمة، طالبة البكالوريا المسلمة الملتزمة دينيًا، التي تتعرف على الحياة من حولها، خاصة علاقتها بجسدها وميولها الجنسية تجاه النساء. وذلك في حبكة تقليدية تمحورت حول المصاعب التي تمر بها للتعرف والاعتراف بميولها الجنسية المغايرة.

ذهبت جائزة "أحسن ممثل" إلى البرازيلي فاغنر موري عن أداء شخصية مارسيلو/ أرماندو في فيلم "العميل السري" لكليبر ميندونسا فيلهو. ينتحل أرماندو، أو العميل السري، اسمًا مستعارًا هو "مارسيلو"، ويلجأ إلى مدينة ريسيفي، مدينته، هربًا من ماضيه الغامض الذي يطارده، استعدادًا لمغادرة البلاد، لكن من يتربصون به ويطاردونه لا يرجون له البقاء حيًا. وبهذا يكون فيلم "العميل السري" قد حصل على ثلاث جوائز، "أحسن إخراج"، و"أحسن ممثل"، و"جائزة الفيبريسي"، أو الاتحاد الدولي لنقاد السينما.

منحت "جائزة لجنة التحكيم الخاصة" للمُخرج الصيني باي جان عن فيلمه الفني الرائع، "البعث". بهذه الجائزة، أضافت اللجنة مزيدًا من التوازن لصالح ما هو فني، في مقابل السياسي والاجتماعي. إذ يعد فيلم "البعث"، المضاف في اللحظات الأخيرة إلى مسابقة المهرجان، بعيدًا إلى حد بعيد جدًا عن السياسة. ويقترب كثيرًا، على المستوى الفني والاشتغال السينمائي والبصري، إلى جماليات فن السينما، والاشتغال السينمائي لدى الأساتذة الكبار في عالم السينما، واستلهام أعمالهم.

جائزة قسم "نظرة ما"

في قسم "نظرة ما"، التالي في الأهمية بعد "المُسابقة الرئيسية"، والمُحتضن للتجارب الأولى للمُخرجين والمُخرجات، وتحظى جوائزه باهتمام كبير، وتنافس فيه 20 فيلمًا هذا العام، منحت لجنة التحكيم التي ترأستها المخرجة وكاتبة السيناريو والمصورة البريطانية مولي مانينغ ووكر، الجائزة الكبرى للفيلم التشيلي "النظرة الغامضة لفلامنغو" للمُخرج دييغو سيسبيديس. الفيلم هو الروائي الأول لمخرجه، ويتناول علاقة تجمع بين مجموعة من النساء المتحولات جنسيًا في ثمانينيات القرن الماضي، قررن العيش بعيدًا عن المجتمع، في عزلة تامة بجوار مناجم التعدين، في خلطة فنية واقعية وفانتازية تجمع بين الوثائقي والروائي.

جوائز عربية

ضمن القسم نفسه، فاز الفلسطينيان طرزان وعرب ناصر بجائزة "أحسن إخراج" عن فيلمهما الروائي الثالث "كان ياما كان في غزة". يندرج العمل تحت نوعية أفلام الجريمة والإثارة والتشويق. ورغم موضوعه العام وخيوطه الدرامية، إلا أنه يعرج على السياسة بشكل صريح، ويفرض الراهن ظلاله على بعض مشاهد الفيلم. ومع أن الأحداث تدور قبل الحرب الحالية في غزة، تحديدًا عام 2007، لكن يبدو من خلال بعض مشاهد الانفجارات والتدمير الحديثة أنها أضيفت إلى الأحداث عبر توظيف ذكي للمونتاج يربط الفيلم بالحاضر.

كما فاز الفيلم العراقي "كعكة الرئيس" للمخرج حسن هادي، والذي عرض في تظاهرة "نصف شهر المخرجين"، بجائزة "أفضل فيلم"، وهي جائزة تمنح بناء على تصويت الجمهور. أما المفاجأة الكبرى فكانت في تتويجه بجائزة "الكاميرا الذهبية"، التي تمنح للفيلم الأول في مختلف مسابقات وفعاليات المهرجان. والفيلم هو الروائي الطويل الأول للمخرج، وأول مشاركة عراقية في هذا القسم، وفي مهرجان "كان" بصفة عامة. وبالطبع، أول فيلم عراقي ينتزع جائزتين رفيعتين دفعة واحدة في أول مشاركة، منذ إطلاق الجائزة في عام 1978 على يد جيل جاكوب.

تدور أحداث الفيلم، الذي يحمل أيضًا عنوان "مملكة القصب"، في تسعينيات القرن الماضي، خلال حكم الرئيس صدام حسين، حيث يُجبر طلاب المدارس على جلب كعكة للاحتفال بعيد ميلاد الرئيس. يتمحور الفيلم حول رحلة الطفلة لميعة الفقيرة، التي تعيش مع جدتها المريضة في أهوار العراق، حيث تحاول ببراءة، وبمساعدة جدتها فطيمة، التهرب من القيام بهذا الواجب القسري.

يُذكر أن الممثل الفلسطيني الشاب توفيق برهوم (34 عامًا) فاز عن فيلمه الروائي القصير "أنا سعيد لأنك ميت الآن" بـ"السعفة الذهبية" لأفضل فيلم قصير. يدور الفيلم حول شقيقين، أحدهما غير متوازن نفسيًا، ويلجأ إلى النسيان لتحمل ماضيه القاسي مع والدهما، والآخر يعيش تحت لعنة ذكريات مؤلمة دفعته في النهاية إلى قتل أقرب الناس...

 

المصرية في

20.05.2025

 
 
 
 
 

"مهمة مستحيلة:

الحساب الأخير".. صراع مكرر حول تمرد الذكاء الاصطناعي

عبدالرحيم الشافعي

أكشن تمويهي ممل ينقذه التركيز على خطورة التكنولوجيا.

حظي فيلم النجم توم كروز الأخير "مهمة مستحيلة: الحساب الأخير"، بدعاية واسعة وانتظره جمهور السينما بشغف كبير، لكن يبدو أنه جاء مخيّبا للآمال، حيث لم يقدم حبكة درامية جديدة أو مبتكرة وإنما راهن على الأكشن والإثارة ومهارات كروز التمثيلية في حين أنه ركز على مخاطر الذكاء الاصطناعي واحتمالات خروجه على السيطرة.

تبدأ أحداث الفيلم الأميركي “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” للمخرج كريستوفر ماكويري بعد أن خاض إيثان (توم كروز) صراعا مع غابرييل فوق سطح قطار متحرك، وتمكن من إيقاف خطة الكيان، حيث يواصل العميل السري محاولة تعقب سلاح خطير، قبل أن يقع في أيدي أعدائه.

الفيلم من سيناريو كريستوفر ماكويري وبروس جيلر، وبطولة كل من توم كروز وبوم كليمنتيف وريبيكا فيرجسون وفانيسا كيربي وهايلي أتويل وإساي موراليس.

يستند سيناريو فيلم “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” إلى فكرة مركزية قوية تتمحور حول تهديد ذكاء اصطناعي يُدعى الكيان، يسيطر على أنظمة الكمبيوتر العالمية ويهدد بشن هجوم نووي مدمر، إذ تتولى شخصية إيثان هانت العميل الأيقوني قيادة المهمة لإيقاف هذا التهديد من خلال استعادة مفتاح تحكم وكود مصدر مدفون في غواصة غارقة بالقطب الشمالي.

ويواجه هانت صراعات متعددة، سواء مع خصمه غابرييل، الذي يسعى للاستيلاء على الكيان لأغراضه الخاصة، أو مع حكومة الولايات المتحدة المترددة في دعمه خوفًا من تسريب المعلومات. ويعاني السيناريو من نقص في الابتكار، ومشاهد مطولة غير ضرورية، وتكرار أنماط مألوفة من السلسلة أضحت مملة وغير مشوقة تميزه عن سابقاته أو عن أفلام أخرى تناولت موضوع الذكاء الاصطناعي.

وتعتمد الفكرة الأساسية على صراع مكرر حول ذكاء اصطناعي خارج عن السيطرة، شبيه بأفلام كثيرة تناولت تهديد الذكاء الاصطناعي لحياة البشرية، دون إضافة لمسة جديدة تمنح الفيلم هوية مميزة، بينما تعتمد مشاهد الغوص في القطب الشمالي على المؤثرات البصرية المبهرة، لكنها تفتقر إلى عمق درامي أو ربط واضح بالهدف الرئيسي مثل استعادة الكود المصدر الذي يخلص العالم من شرور الكيان، فتصبح هذه المشاهد طويلة ومملة، وعبئًا على إيقاع الفيلم بدلا من تأجيج التشويق، وحشوا غير مبرر.

ويؤثر الطول المفرط لبعض المشاهد سلبًا على تماسك القصة، إذ تخلق مشاهد الغوص ومطاردات الطائرة في السماء شعورًا بالملل لدى الجمهور، فتظهر هذه المشاهد كمحاولات لإطالة مدة الفيلم بدلا من تعزيز الحبكة أو تطوير الشخصيات، ويعتبر مشهد هانت وهو محاصر تحت الجليد، رغم توتره الظاهري، مفتعلا ويمكن تقصيره دون التأثير على جوهر القصة، بينما يضعف هذا الإطناب من التوازن بين الأكشن والدراما، وهو عنصر كان يميز أفلام “مهمة مستحيلة” السابقة.

وتبرز متتالية المشاهد بين هانت وحكومة الولايات المتحدة كإحدى نقاط القوة في السيناريو، إذ يضيف تردد الحكومة ومحاولة كيتريدج استغلال الكيان لمصالح وطنية طبقة من التعقيد الأخلاقي والسياسي، بينما السيناريو لا يستغل هذا الجانب بما فيه الكفاية، فبدلا من التركيز على ما هو أبعد من المهمة المستحيلة وإقحام الدول النووية في نهاية العالم أو إنقاد الولايات المتحدة العالم مرة أخرى على مدار سنوات، يشتت السيناريو انتباه المشاهد بمشاهد أكشن طويلة وفرعية، جعلت ثلاث ساعات طويلة جدا ومملة في مجملها.

واستخدم “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” فكرة الذكاء الاصطناعي المارق المعروف باسم الكيان، كتهديد وجودي يسيطر على الأنظمة الرقمية العالمية ويهدد بإطلاق هجوم نووي، وهذا الجزء يركز على إيثان هانت وفريقه في سباق لاستعادة مفتاح يتحكم في الكيان، مع مشاهد أكشن تمتد من القطب الشمالي إلى جنوب أفريقيا، بما في ذلك استعادة كود مصدر من غواصة غارقة ومواجهات مكثفة مع غابرييل، العميل المنشق، وهذا العنصر التكنولوجي يعكس مخاوف العصر الحديث حول الذكاء الاصطناعي، كتمويه يمنح الفيلم طابعًا معاصرًا، بينما مشاهد الأكشن، مثل المطاردات والقتال اليدوي، تعتمد على نفس الأسلوب البصري المثير الذي اشتهرت به السلسلة، مع التركيز على أداء توم كروز البدني المذهل، مثل غوصه في المياه الجليدية.

ويتشابه الجزء الأخير مع الأجزاء السابقة في السلسلة من حيث الهيكلية القصصية، حينما يواجه إيثان هانت تهديدا عالميا مع فريق صغير، لكنه تميز بموضوع الذكاء الاصطناعي، ففي “مهمة مستحيلة 2” الذي صدر عام 2000 كان التهديد عبارة عن فايروس بيولوجي تسعى عصابة إرهابية لنشره، مع عنصر رومانسي يتمثل في إنقاذ حبيبة إيثان. وهذا الجزء اعتمد على صيغة أكشن تقليدية بمطاردات وانفجارات دون تقديم بعد تكنولوجي عميق، وفي الحقيقة يعتبر أقل طموحًا من “الحساب الأخير” في معالجة قضايا معاصرة، بينما تطابقت “مهمة مستحيلة 3” مع “الحساب الأخير” في جعل الصراع شخصيًا، عندما يتم اختطاف حبيبة إيثان من قبل تاجر أسلحة، أوين دافين، لكن الأكشن في هذا الجزء رغم جودته ظل ضمن إطار مألوف من القتال والمطاردات عبر دول متعددة، دون إدخال عناصر حية مختلفة.

وفي فيلم “مهمة مستحيلة: بروتوكول الشبح” الذي صدر عام 2011، هناك تشابه مع “الحساب الأخير” في التركيز على تهديد نووي، عندما يحاول عالم سويدي إشعال حرب عالمية باستخدام أسرار نووية، في حين يتفوق فيلم “الحساب الأخير” بتقديم تهديد أكثر حداثة عبر الذكاء الاصطناعي، بينما اعتمد “بروتوكول الشبح” على مشاهد أكشن مميزة، مثل تسلق برج خليفة، دون تغيير جوهري في لغة الأكشن.

وتميز “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير” الذي صدر عام 2025 بمواجهة إيثان لشبكة إرهابية سرية تدعى “النقابة”، لكنها لم تقدم تهديدًا تكنولوجيًا متطورًا كما في “الحساب الأخير”، فالصراع مع عميلة غامضة اسمها إلسا فاوست أضاف عمقًا دراميًا، لكنه لم يتجاوز الأكشن التقليدي الذي يعتمد على المخاطرة البدنية، بينما فاقت “مهمة مستحيلة: سقوط” (2018) الأجزاء السابقة في كثافة الأكشن، مع مشاهد مثل القفز بالمظلة وقيادة المروحية، لكن التركيز كان على صراعات شخصية وإرهابية دون بعد تكنولوجي متقدم.

واستلهمت سلسلة أفلام “مهمة مستحيلة”، وهي سلسلة أكشن وتجسس وإثارة أميركية، من مسلسل “مهمة مستحيلة” الذي عُرض بين عامي 1966 و1973، ثم أعيد تقديمه بين عامي 1988 و1990، وقاد الممثل الأميركي الشهير توم كروز، الذي لعب دور العميل إيثان هانت، بطولة هذه الأفلام وشارك في إنتاجها.

◄ مشاهد الأكشن تعتمد  على نفس الأسلوب  البصري المثير مع التركيز على أداء توم كروز البدني المذهل

بدأ إنتاج سلسلة الأفلام عام 1996، وأُنتجت حتى الآن سبعة أفلام، وصدر الفيلم الأول “مهمة مستحيلة” عام 1996، ثم أُطلق “مهمة مستحيلة 2” عام 2000، وتبعه “مهمة مستحيلة 3” عام 2006، وصدر الفيلم الرابع “مهمة مستحيلة: بروتوكول الشبح” عام 2011، وجاء بعده “مهمة مستحيلة: أمة منشقة” عام 2015، ثم “مهمة مستحيلة: سقوط” عام 2018. واختُتمت السلسلة مؤقتًا بفيلم “مهمة مستحيلة: الحساب الأخير – الجزء الأول” عام 2023، واحتلت هذه السلسلة المركز السابع عشر ضمن قائمة الأفلام الأكثر ربحًا في تاريخ السينما.

وأبدع كريستوفر ماكويري في كتابة سيناريوهات معقدة وذكية جمعت بين التشويق والعمق الدرامي والحبكات المفاجئة، حيث بدأ مسيرته القوية بفيلم “المشتبه بهم المعتادون” الذي نال عنه جائزة الأوسكار، ثم توالت أعماله اللافتة مثل “حافة الغد” و”الوولفرين”، اللذين قدّم فيهما رؤية مبتكرة لأفلام الخيال العلمي والأبطال الخارقين. كما لعب دورا محوريا في تطوير سلسلة “مهمة مستحيلة” من خلال كتابة الأجزاء الحديثة مثل “الحساب الميت” و”الحساب النهائي”، مقدما سردا ديناميكيا يمزج بين الإثارة والتقنية، مع شخصيات معقدة ومتطورة على المستويين النفسي والإنساني.

وقاد كريستوفر ماكويري دفة الإخراج في عدد من أبرز أفلام الحركة في العقد الأخير، حيث تميز بأسلوب بصري حاد وإيقاع سردي متوازن بين الأكشن والتشويق. أخرج أجزاء من سلسلة “مهمة مستحيلة” بتقنيات متقدمة ومشاهد مذهلة نفذ معظمها النجم توم كروز بنفسه، ما أضفى مصداقية وحيوية على العمل. كما أخرج فيلم “جاك ريتشر” بأسلوب بصري واقعي يُبرز تفاصيل التحقيق والغموض، وسبق له أن قدّم “طريق السلاح” في بداياته، بأسلوب مختلف ركز فيه على الحوار والنفسية المعقدة للشخصيات.

وساهم كريستوفر ماكويري في إنتاج مجموعة من الأعمال التي تمثل توازنا بين الجودة الفنية والجاذبية الجماهيرية، حيث أشرف على إنتاج أفلام ضخمة مثل “فالكيري” و”مهمة مستحيلة: الحساب النهائي”، محافظاً على رؤية متكاملة تجمع بين السرد القوي والتنفيذ التقني العالي. كما خاض مجال الإنتاج التلفزيوني من خلال مسلسل “ريتشر”، مقدما حبكة متماسكة وشخصية محورية جذابة. وبرز أيضا في إنتاج فيلم “تجربة سجن ستانفورد”، الذي يعكس اهتمامه بالقصص الإنسانية المعقدة والتجارب النفسية الواقعية.

ناقد سينمائي مغربي

 

العرب اللندنية في

26.05.2025

 
 
 
 
 

الجناح المصرى فى كان .. ملتقى السينما العربى

محمد كمال

حصل الجناح المصرى في سوق مهرجان كان السينمائي على جائزة أفضل تصميم جناح التي تسمى (Pavilion Design Award) في نسختها الخامسة، والجناح المصري نظم بشكل مشترك بين مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مهرجان الجونة السينمائي، ولجنة مصر للأفلام (EFC)، نجح في تقديم تجربة متكاملة تعكس رؤية واضحة في تنظيم الفعاليات وترتيب الأنشطة التي تجمع بين الترويج السينمائي والتواصل المهني الفعال مع صناع السينما من مختلف أنحاء العالم.

ويعتبر الجناح المصري في دورة “كان” هذا العام، ملتقى للسينما العربية، من خلال تواجد وحضور صناع السينما من جميع الدول العربية في جميع الفعاليات والندوات واللقاءات، ومن أهم الفعاليات المصرية العربية المشتركة التي أقيمت بالجناح المصري، جلسة نقاشية بعنوان “بناء الروابط بين مهرجانات الأفلام العربية”، تناولت أهمية التعاون بين المهرجانات العربية لدعم صناع الأفلام المحليين والإقليميين، مع التركيز على بناء شبكة قوية من المهرجانات التي تعمل معًا لتعزيز صناعة السينما في المنطقة، وكذلك جلسة نقاشية بعنوان “الموجة الجديدة “تسليط الضوء على صانعي الأفلام العرب الصاعدين”، وركزت الجلسة على استعراض مساهمات الجيل الجديد من صناع الأفلام العرب في إعادة تشكيل السينما العربية، وكيف يمكن للمهرجانات دعم هذه المواهب الناشئة لتحقيق نجاحات عالمية، وتمثيل الجيل الجديد من صناع الأفلام، والصعوبات التي واجهتهم، وعلاقتهم بالسينما المحلية والمهرجانات العالمية، وكيف يمكنهم تحقيق التوازن بين التعبير عن أنفسهم وتقديم أعمال تصل إلى جمهور أكبر عالميا، وقد شهدت الجلسة أيضا مشاركة عدد من صناع السينما العرب الذين حققوا إنجازات كبيرة في مهرجانات السينما العالمية.

بالإضافة إلى حفل استقبال أقامه الجناح المصرى احتفالاً بمرور 100 عام على تأسيس الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي)، وأبدى خلاله رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الفنان حسين فهمي، سعادته بحصول الجناح المصري على هذه الجائزة التي تعد تأكيدا على التميز الذي حققه الجناح المصري في سوق “كان”، حيث تم تصميمه وتنظيم فعالياته بناءً على رؤية واضحة تهدف إلى إبراز قدرات مصر السينمائية المتنوعة في فعالية جمعت أبرز صناع السينما والمهرجانات السينمائية في مصر. 

 

أخبار النجوم المصرية في

26.05.2025

 
 
 
 
 

جعفر بناهي الحائز على «السعفة الذهبية» يُستقبل بحفاوة في مطار طهران

طهران ـ «سينماتوغراف»

بعد وصوله بسلام إلى طهران مع حصوله على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الـ78 عن فيلمه "حادث بسيط"، استقبل المخرج جعفر بناهي بحفاوة في مطار طهران اليوم الاثنين 26 مايو.

واستقبل أنصار المخرج الإيراني في مطار طهران دون أي حوادث، بعد فوزه بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان، بحسب مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

وبعد سنوات من منعه من مغادرة إيران، وصنع أفلام سرية وقضاء عدة فترات في السجن، حصل المخرج السينمائي على واحدة من أكثر الجوائز المرموقة في السينما العالمية عن أحدث أفلامه "حادث بسيط".

وفي حين خشي بعض أنصاره من مواجهة صعوبات لدى عودته إلى إيران، فقد وصل بسلام فجر الاثنين إلى مطار طهران الدولي، الذي سمي على اسم مؤسس الثورة الإسلامية عام 1979، آية الله روح الله الخميني.

وقال المنتج السينمائي الفرنسي فيليب مارتن "لقد وصل بسلام إلى طهران في ساعة مبكرة من صباح اليوم" و"عاد إلى وطنه". ولم يتحدث مارتن مباشرة مع المخرج لكنه تمكن من الاتصال بمحيطه.

"بل وعلم أنه حصل على تأشيرة للسفر إلى مهرجان في سيدني (أستراليا) في غضون عشرة أيام تقريبًا"، بحسب المصدر.

ولقي جعفر بناهي هتافات الترحيب وهو ينزل السلم المتحرك إلى حزام استلام الأمتعة، بحسب مقاطع فيديو نشرها مراقب حقوق الإنسان دادبان على وسائل التواصل الاجتماعي.

وسمعت في مقطع فيديو هتاف "المرأة، الحياة، الحرية"، شعار حركة الاحتجاج 2022-2023 ضد السلطات الإيرانية.

وعندما غادر المطار، استقبله نحو اثني عشر من أنصاره، بحسب مقاطع فيديو نشرها المخرج الإيراني مهدي نادري على موقع إنستغرام وبثتها قناة إيران الدولية، وهي وسيلة إعلامية ناطقة بالفارسية مقرها في الخارج. "دماء جديدة في عروق السينما المستقلة الإيرانية"، قال مهدي نادري.

ويأتي هذا الاستقبال على النقيض من رد الفعل البارد من جانب وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية وقادة الحكومة تجاه أول جائزة سعفة ذهبية إيرانية منذ فيلم "طعم الكرز" للمخرج الراحل عباس كياروستامي في عام 1997.

يحكي فيلم بناهي قصة خمسة إيرانيين يواجهون رجلاً يعتقدون أنه عذبهم في السجن، وهي قصة مستوحاة من الوقت الذي قضاه المخرج نفسه في الاعتقال.

بعد فوزه بالجائزة، دعا جعفر بناهي إلى الحرية في إيران. فلنضع جميع المشاكل والخلافات جانبًا. ما يهمنا الآن هو بلدنا وحريته.

 

موقع "سينماتوغراف" في

26.05.2025

 
 
 
 
 

"صراط": سير على الصراط ورحلة إلى الجحيم

كانّ ــ ندى الأزهري

لم تنبئ الدقائق الأولى بما سيأتي، وإن كانت مشحونة بصخب ليس في حدود الاحتمال وحشود متلاصقة على وسع المكان تتراقص على وقع موسيقى إلكترونية. مشهد طاول المشهد ومعه تساؤل: وماذا بعد؟ لكن أحداثًا تسللت بغتة إلى الواجهة وكوفئ الصابرون بفيلم انفتح على آفاق لا حدود لها وتأويلات لا تنتهي، ليحفر فيلم "صراط" أثرًا لا يُمحى.

ليس "صراط"، بعنوانه العربي لفيلم إسباني فرنسي للمخرج أوليفر لاكس، بفيلم عابر يُنسى ضمن زحمة قائمة طويلة من أفلام مشاركة في مهرجان كان الأخير (13- 24 أيار/ مايو 2025)، إنه على أية حال فاز مناصفة بجائزة لجنة التحكيم مع "صوت السقوط" للمخرجة الألمانية ماشا شيلينسكي.

المخرج الإسباني والباريسي المولد يعرف العربية بعض الشيء. استهل كلمته بعد الفوز بسرد حديث موجز جرى بينه وبين سائق فلسطيني في القدس، ليخلص سريعًا إلى أن أصول البشر مختلطة وأن الفلسطيني قال له ما معناه "وجعلناكم قبائل وشعوبا لتعارفوا". هو اختار عنوانًا بالعربية يمثّل أفضل تعبير عن فكرة الفيلم. كُتب تفسيره في البداية لمن لا يعرف وليتأكد الذين شكّوا أن الكلمة هي نفسها. و"الصراط" كما نعرف، جسر ممدود على متن جهنم‏ يمر عليه الناس يوم القيامة لتحديد مصيرهم ويجتازه أهل الجنة بأعمالهم. هو طريق في الفيلم ورحلة جهنمية وعبور تتمثل خلاله هشاشة الحياة وتدخل القدر في المصائر، والعجز أمامه وقدرة الإنسان على المواجهة. كل هذا في تصوير سينمائي بارع ولغة سينمائية مبهرة استغلت الصحراء المغربية، حيث صور الفيلم، كأفضل ما يمكن، فعبرت عن غموضها وجمالها، قوتها وسحرها وما هو أشد أثرًا أي عنفها الظاهر والخفيّ.

"أداء قوي لممثلين غير محترفين، في فيلم متكامل بلغته البصرية والسردية، لمخرج معتاد على عرض أفلامه في مهرجان كان وعلى الفوز بفضل موهبته وتميّز أعماله"

صحراء، يخيّم قلق ورهبة في أجوائها، تمتد في مكان ما في المغرب، رغم أن حفلًا شديد الصخب يجري في رحابها، وتنبعث موسيقى تكنو من مكبرات صوت ضخمة قديمة ومغبرة ككل شيء في هذا المكان، ورغم حشد متزاحم، من شباب وشابات، يتراقص، غير عابئ بشمس حارقة وعرق غزير وغبار كثيف يلتصق بالأجساد ويعمي العيون. منظر نراه بأعين أب وصبي يجولان بين الراقصين والجالسين والسيارات الذاهبة والآتية، يوزعان صورة الابنة مارا التي اختفت أخبارها. يأملان في أن يكون قد صادفها أحد هي المعتادة على الجري وراء هذه الحفلات من مكان لآخر. أب في نظراته أسى وضياع مستعد لأن يكون في مكان كهذا بعيد وأجواء كتلك غير مألوفة فقط ليجد ابنته المفقودة. لكن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب كما يعلن الجيش المغربي الذي يأتي لتفريق الحشد. تفصيل لا يتابعه الفيلم، كأنه مجرد دافع، لا يد لأحد من هؤلاء فيه، ليقود إلى طريق آخر. إنه تفصيل أول سيتبعه آخر وآخر في سلسلة ستؤدي إلى سقوط البعض في الجحيم.

لا يكترث هؤلاء الهامشيون بما يجري في العالم، يعيشون في عالم الموسيقى والحفلات والمخدرات. سرعان ما تختار مجموعتان من شابتين وثلاثة رجال الهرب من تجميع الجيش لهم للمغادرة كل إلى بلده، في سيارتين متهالكتين كأنهما من بقايا حرب، يتجهون نحو طريق جبلية شديدة الوعورة، للحاق بحفل آخر على الحدود، بدون أن يستطيع الجنود اللحاق بهم. هؤلاء المعتادون على حرية مطلقة، لا يعبأون بمخاطر حياة أو شروط رفاهية، يتابعون السير ثم، بعد فترة تردّد، يلحق بهم الأب (الممثل الإسباني سيرجي لوبيز في أداء لافت) مستمعًا لإلحاح ابنه (في العاشرة تقريبًا) أملًا بالعثور على الأخت ومأخوذًا بأسلوب حياة هؤلاء الغرباء الهامشيين والمشوهين (أحدهم مقطوع الذراع وآخر الساق)، وربما أيضًا استجابة لقدر ينتظرهم. لينطلقوا في رحلة ملحمية في أعماق الصحراء تبدأ معها سلسلة من مغامرات جهنمية في دروب وعرة ومخاطر تهدد حياتهم، ورغم هذا يتابعون رحلتهم مزودين بمرحهم وموسيقاهم وتضامنهم ومؤونة كافية. لكن الصحراء محملة بمفاجآت لا تنتهي. والموت بالمرصاد وسيكون الهدف البقاء على قيد الحياة في عالم ينهار.

المخرج يقود السرد والممثلين الهواة في معظمهم باستثناء الأب، بأسلوب مذهل في احتفاظه بإيقاع يسوده توتر لا ينقطع، وإثارة مستمرة. ومن المثير أنه مع كل مغامرة وخسارة، يسود ظن لدى المشاهد أن الأمور ستحل وأن هذا الذي فقد الحياة لا يمكن له أن يموت، وأن إنقاذه لا بد أن يتم حتمًا وأن الأبطال سينجون، وأن الأمن سيستتب. وفي كل مرة يخيب توقع، ويتصاعد توتر مصحوبًا بقلق مرعب، ويحافظ الفيلم على حبكة مشوقة عديدة الذرى لا مكان فيها للهبوط أو الراحة، فهناك انتظار دائم بأن شيئًا ما تراجيديًا سيحصل. أجواء قلقة خانقة خلقها المخرج بفعالية ستستمر حتى النهاية. بحيث ستكون المفاجأة تأكيدًا في كل مرة على عدم الإمساك بالمصير، على تصوير رحلة عبور بين الجحيم والجنة (الوصول إلى الأمان) سيسقط فيها بعض وينجو بعض آخر لأسباب تتبع الصدفة، القدر. في فيلم تصعب الكتابة عنه دون حرق الأحداث، وسيناريو غني كتبه المخرج مع سانتياغو فيول، لا يمكن إلا التوقف عند كل إشارة ورمز، والتفكير بهذه الحياة وهشاشة كل شيء فيها، وأن ما يبدو ثابتًا مؤكدًا ينهار بسرعة مدهشة دون إنذار. هذا كله في سرد بصري شغل فيه الصوت مساحة واسعة من رياح وصدى وموسيقى تكنو مقلقة تساهم بنغماتها الصاخبة وايقاعها بخلق مزيد من التوتر كتبها المؤلف الإسباني كانغدينغ راي. كما في تصوير آسر (المصور السويسري مارو هيرس) لصحراء ساحرة ومخيفة، لطرق جبلية معزولة وعرة وضيقة ملتفة سيقود أي انزياح فيها إلى الهاوية. كل شيء في مكانه من ديكور وملابس كذلك لشخصيات من هذه النوعية. تنظر للآخر (الأب) على أنه خارج دائرتهم وهو يراهم هكذا أيضًا. كل طرف يرى الآخر غريبًا عنه، ولكنهم وعلى الرغم من لامبالاتهم الظاهرية سيبدون تعاطفًا إنسانيًا وتضامنًا ورحمة، إنهم النقيض لما يمكن أن يعطوه من فكرة بسبب مظهرهم. أداء قوي لممثلين غير محترفين، في فيلم متكامل بلغته البصرية والسردية، لمخرج معتاد على عرض أفلامه في مهرجان كان وعلى الفوز بفضل موهبته وتميّز أعماله.

عُرض لأوليفر لاكس (مواليد 1982) فيلمه الوثائقي "أنتم جميعًا قادة" لأول مرة في أسبوع النقاد في كان عام 2010، وتبعه فيلم "ميموزا" بعد ست سنوات، أما فيلم "ستأتي النار"، فقد اختير لمسابقة "نظرة ما" عام 2019، ونال جائزة المؤثرات الصوتية. 

 

ضفة ثالثة اللندنية في

27.05.2025

 
 
 
 
 

تعرف على | «الأفلام الفرنسية» الفائزة بجوائز «كان السينمائي الثامن والسبعين»

كان ـ «سينماتوغراف»

حصدت السينما الفرنسية إشادات واسعة في حفل ختام مهرجان كان السينمائي الثامن والسبعين، الذي عُقد يوم 24 مايو الجاري، حيث حصد فيلم "حادث بسيط" للمخرج جعفر بناهي، والذي شاركت فرنسا في إنتاجه، جائزة السعفة الذهبية الرائعة، وجائزة أفضل ممثلة لنادية مليتي في فيلم "الأخت الصغيرة" للمخرجة حفصية حرزي.

وفيما يلي رصد للعديد من الإنتاجات الفرنسية الأخرى التي حصدت جوائز ...

ـ فيلم "حادث بسيط"، هو إنتاج مشترك بين إيران وفرنسا ولوكسمبورغ، صُوّر في سرية تامة.

وتُصنّف هذه الجائزة جعفر بناهي، البالغ من العمر 64 عامًا، ضمن أعظم صانعي الأفلام في العالم، بعد فوزه بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1995 عن فيلمه الروائي الأول "البالون الأبيض"، وجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي (الدائرة، 2000)، وجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي (تاكسي طهران، 2020).

ـ فوز نادية مليتي، الممثلة الشابة التي تُقدّم أول ظهور لها في فيلم "الأخت الصغيرة"، بجائزة أفضل ممثلة عن أدائها القويّ والدقيق في هذه الحكاية المؤثرة عن التنشئة.

"الأخت الصغيرة" هو الفيلم الروائي الثالث للمخرجة حفصية حرزي، من إنتاج شركة جون فيلمز وبيعته شركة إم كيه 2 فيلمز، ويأتي بعد 18 عامًا من أول ظهور لها أمام الكاميرا في فيلم "سرّ الحبوب" لعبد اللطيف كشيش، والذي مثّل انطلاقتها السينمائية. كما فاز فيلم "الأخت الصغيرة" بجائزة السعفة الكويرية.

ـ فيلم "القيمة العاطفية" للمخرج الدنماركي يواكيم ترير، الذي حصد الجائزة الكبرى، والذي أُنتج بالتعاون مع MK Productions وLumen في فرنسا.

ـ وفيلم "العميل السري" الذي حصد جائزة أفضل ممثل لفاغنر مورا وجائزة أفضل مخرج لكليبر ميندونسا فيليو. هو من إنتاج MK Productions وتم بيعه إلى شركة mk2 films، وهي منظمة مبيعات دولية قدّمت أربعة أفلام للجوائز (وحتى خمسة أفلام عند إضافة الفيلم الألماني "صوت السقوط").

ـ بخلاف مساهمة شركتي CG Cinéma وArte France Cinéma في فيلم "القيامة" للمخرج بي غان الذي حصد جائزة خاصة، وفيلم "صراط" لأوليفر لاكس الذي حصد جائزة لجنة التحكيم.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأفلام الستة الحائزة على جوائز أُنتجت بالتعاون مع Arte France Cinéma.

ولا ننسى كذلك فيلم "أنا سعيد لأنك ميت الآن" للمخرج توفيق برهوم، والذي شاركت في إنتاجه شركة Kidam الفرنسية، وحاز على جائزة السعفة الذهبية للأفلام القصيرة، بالإضافة إلى جميع الجوائز الأخرى للإنتاجات الفرنسية والإنتاجات المشتركة في الأقسام الأخرى،

بما في ذلك فيلم "النظرة الغامضة لطائر الفلامنغو" لدييغو سيسبيديس (جائزة نظرة ما)، وفيلم "إيماغو" لديني عمر بيتساييف (جائزة الكاميرا الذهبية للأفلام الوثائقية وجائزة French Touch التي أعلنتها لجنة تحكيم أسبوع النقاد)، وفيلم "رقصة الرينارد" لفاليري كارنوي (شارك في إنتاجه Les Films du Poisson وباعته إلى The Party Film Sales) الذي فاز بجائزتين في أسبوعي المخرجين، وفيلم "شبح مفيد" لراتشابوم بونبونشاشوك، الذي فاز بالجائزة الكبرى في أسبوع النقاد، وشارك في إنتاجه Haut Les Mains Productions.

وهكذا فإن تنوع الأنواع السينمائية الحائزة على جوائز، والحضور القوي للإنتاجات الفرنسية وراء غالبية الأفلام الحائزة على جوائز، ويُثبت مجددًا حيوية السينما الفرنسية وإبداعها، وانفتاحها على جميع الثقافات.

 

موقع "سينماتوغراف" في

27.05.2025

 
 
 
 
 

أبطال «كان يا ما كان في غزة»

يتحدثون عن الفيلم وأصعب التحديات التي واجهوها أثناء التصوير

فاصلة

أجرت فاصلة حوارًا خاصًا مع الفنانين السوري نادر عبد الحي والفلسطيني مجد عيد، بطلي فيلم «كان يا ما كان في غزة» للمخرجين عرب وطرزان ناصر، الفائز بجائزة أفضل إخراج في قسم «نظرة ما» بمهرجان كان السينمائي بدورته الـ78.

قال الفنانان إن الفيلم يدور حول قيمة الصداقة في سياق إنساني، وسط واقع الاحتلال والحصار، دون مباشرة أو خطابية. وأكدا أن التصوير جرى بأجواء حميمية وعفوية، ما ساعدهما على تقديم أداء صادق. عبّرا عن فخرهما بعرض الفيلم في كان، خاصةً في ظل ما تعانيه غزة، واعتبرا وصول العمل إلى هذا المحفل العالمي لحظة نصر فنية وعاطفية لا تُنسى.

«كان ياما كان في غزة» تجري أحداثه في غزة عام 2007 حول طالب شاب اسمه يحيى، يُكوّن صداقة مع أسامة، صاحب مطعم ذو كاريزما وقلب كبير. يبدآن معًا في بيع المخدرات أثناء توصيل ساندويتشات الفلافل، لكن سرعان ما يُجبران على مواجهة شرطي فاسد وغروره المُتضخم.

https://www.youtube.com/watch?v=HARkXVjYaL0

 

####

 

مراد مصطفى:

«عائشة لا تستطيع الطيران» ليس فيلمًا عن العنصرية

فاصلة

أجرت فاصلة حوارًا مع المخرج المصري مراد مصطفى حول فيلمه الطويل الأول «عائشة لا تستطيع الطيران»، المشارك في الدورة 78 من مهرجان كان السينمائي.

 يتناول الفيلم قصة فتاة سودانية تعيش في حي شعبي بمصر، وتواجه ضغوطًا اجتماعية وعاطفية تتراكم وتحوّلها داخليًا، في رحلة عنيفة نفسياً وإنسانيًا.

مصطفى يؤمن بأن السينما يجب أن تكون جريئة وغير مريحة، ويبتعد تمامًا عن التجميل أو الطرح الناعم للمآسي. يرفض تقديم بطلته كضحية فقط، معتبرًا ذلك سرقة لنضالها الداخلي ورغبتها في الوجود والتمسك بالكرامة.

الفيلم هو تتويج لثلاثية عن المهاجرين الأفارقة في مصر، ويبتعد عن الخطاب العنصري أو الديني، ليطرح الصراع من زاوية السيطرة والنفوذ، بين مجتمع أصلي وآخر وافد يتوسع. اعتمد مصطفى على لغة سينمائية تركز على الصورة، والحركة، وصمت الشخصيات، بدلًا من الحوار المباشر، مما يترك مساحة واسعة للمشاهد للتأمل والانخراط العاطفي.

ويشارك في بطولة الفيلم كل من  بوليانا سيمون، زياد ظاظا، عماد غنيم، وممدوح صالح، وهو من إنتاج سوسن يوسف، وهو حاليا في مرحلة ما بعد الإنتاج، بعدما فاز بأكثر من منحة إنتاجية من مهرجانات دولية.

https://www.youtube.com/watch?v=KxfGP_VUshs

 

####

 

عرب ناصر:

كوننا أبناء غزة نحن الأقدر على تقديم أفلام تُجسّد واقعها وتفاصيلها

فاصلة

فاز الشقيقان عرب وطرزان ناصر بجائزة أفضل إخراج في قسم «نظرة ما» بمهرجان كان بدورته الـ 78، عن فيلمهما «كان يا ما كان في غزة». وفي حوار مع«فاصلة»، تحدث عرب عن ولادة المشروع عام 2015، مؤكدًا أن الفيلم لم يتغير بعد العدوان الأخير، بل ازدادت أهميته. كما كشف سبب اختياره لممثل سوري للبطولة،  كما أشاد بالمؤلف الموسيقي أمين بوحافة، مؤكدًا أن كل تفصيلة صُنعت بعناية لأرشفة الحياة في غزة.

«كان ياما كان في غزة» تجري أحداثه في غزة عام 2007 حول طالب شاب اسمه يحيى، يُكوّن صداقة مع أسامة، صاحب مطعم ذو كاريزما وقلب كبير. يبدآن معًا في بيع المخدرات أثناء توصيل ساندويتشات الفلافل، لكن سرعان ما يُجبران على مواجهة شرطي فاسد وغروره المُتضخم.

الفيلم من إنتاج دولي مشترك بين فرنسا وألمانيا والبرتغال وفلسطين، مع قطر والمملكة الأردنية الهاشمية. يضم الفيلم طاقمًا من الممثلين، منهم نادر عبدالحي، المعروف بدور سامي في فيلم «فرح»، ورمزي مقدسي فيلم اصطياد أشباح، الحائز على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي الدولي، ومجد عيد فيلم «عنكبوت مقدس» الحائز على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان كان السينمائي.

https://www.youtube.com/watch?v=GhR4ltqpJlA

 

موقع "فاصلة" السعودي في

27.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004