ملفات خاصة

 
 
 

كيم نوفاك.. شبح الجمال والغواية

اعتزلت منذ بداية التسعينات.. وتركت هوليوود بسبب المخلل

القاهرة -عصام زكريا*

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

تم تكريم نجمة هوليوود كيم نوفاك في مهرجان فينيسيا السينمائي عن مسيرتها الفنية التي تضمنت أفلاماً كلاسيكية مثل Vertigo وPicnic. نوفاك، البالغة من العمر 92 عاماً، تعتبر آخر أساطير "العصر الذهبي لهوليوود" وعرفت بشجاعتها وتمردها على نظام النجوم. اعتزلت في التسعينيات وكرست حياتها للرسم، معترفة بأسفها على عمليات التجميل التي أجرتها.

*ملخص بالذكاء الاصطناعي. تحقق من السياق في النص الأصلي.

عندما أعلن عن تكريم نجمة هوليوود الكبيرة كيم نوفاك في مهرجان فينيسيا السينمائي، عدت بذاكرتي إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما وقعت في فتنة كيم نوفاك من خلال فيلمين شاهدتهما ضمن عروض برنامج "نادي السينما" الذي كانت تقدمه درية شرف الدين في التليفزيون المصري ليلة السبت من كل أسبوع.

الفيلمان هما Picnic وVertigo، اللذان يعدان الآن من روائع السينما العالمية، وخاصة Vertigo الذي يعده الكثيرون أفضل فيلم في تاريخ السينما (من ذلك حصوله على المركز الأول في استطلاع مجلة Sight & Sound في 2014، والمركز الثاني وفقاً لاستطلاع 2024)، وهما بالتأكيد أفضل ما قدمت النجمة الفاتنة التي ألهبت سنوات مراهقتنا مع عدد قليل آخر من نجمات السينما.

آخر النجمات

كيم نوفاك، البالغة من العمر 92 عاماً (من مواليد فبراير 1933) هي واحدة من فاتنات هوليوود الخالدات، ودائماً ما يرد اسمها ضمن استطلاعات أكثر الممثلات جاذبية وسحراً وإثارة.

وهي واحدة من أكمل منتجات مصنع الأحلام ونظام النجوم الذي تعرض للأفول والتغيرات الحادة مع نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن العشرين، كما أنها آخر أسطورة حية من أساطير "العصر الذهبي لهوليوود".. لذلك لم يكن غريباً أن تُستقبل أثناء صعودها إلى المسرح لتلقي أسد فينيسيا الفخري بعاصفة من التصفيق وقوفاً امتدت لما يقرب من 15 دقيقة.

تصفيق حماسي جياش بمشاعر الحنين للسينما وللأفلام التي شكلت ذائقة وخيال عشاق السينما على مدار عقود، وأيضاً للمرأة القوية التي لم تزل تحتفظ بلياقتها وحضورها، والتي، لمن يعرف تاريخها، اتسمت بالشجاعة والجرأة على تحدي هوليوود ونجوميتها الشخصية لتعيش كما أرادت حرة و"متمردة" على حد وصف مدير مهرجان فينيسيا ألبرتو باربيرا.

أشباح الفتنة

أعتقد أن الاستقبال الحار الذي حظيت به نجمة هوليوود كان محملاً أيضاً بقدر من التقدير المشوب بالشفقة الذي يشعر به الصغار حين يكونون في حضرة كبار السن، خاصة حين يكونون قد تجاوزا التسعين، أو حين يتصفحون صور الأجداد الذين كانوا في يوم من الأيام ممتلئين بالشباب والحيوية والجمال.

ولعل جزءا كبيراً منه ناتج أيضاً عن رؤية الشبح الأكثر جمالاً وغواية على الشاشة، من خلال دورها في فيلم Vertigo، وقد دبت فيه الحياة، وأصبح أمامهم وجهاً لوجه.. حتى إذا كان هذا الشبح قد تحول إلى عجوز فارقها الجمال، تتسلم "الأسد الذهبي" من المخرج المكسيكي جوليرمو ديل تورو، الذي يشارك في المهرجان نفسه بفيلم عن شبح آخر مختلف قادم من أعماق ماضي السينما وهو "فرانكنشتاين".

المفارقة مرعبة، ولكنها حقيقية، ومرتبطة بذكرى أخرى مع كيم نوفاك: لقد أعلنت النجمة اعتزالها، واختفت عن الأنظار تماماً منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، لتعود للظهور في حفل الأوسكار لعام 2014.

وكانت قد قامت، تهيباً من الحفل وخشية من تأثير علامات السن عليها، ببعض عمليات التجميل، مثل شد الوجه وزرع البوتيكس في خدودها وتصغير أنفها، ما تسبب في تغير ملامحها وظهورها بمظهر مثير للشفقة والجزع.

وقد قام البعض في وسائل الإعلام وصفحات وسائل التواصل بالسخرية منها بعنف، وكان منهم دونالد ترمب (الذي كان رئيساً أيضاً في تلك الفترة)، والذي كتب على موقع "إكس" أن "على كيم نوفاك أن تقاضي طبيب التجميل خاصتها"!

نوفاك التي استاءت كثيراً في تلك الفترة، وعادت للاختفاء حتى ظهورها الأخير في فينيسيا، قالت لاحقاً أن أكثر شيء تندم عليه في حياتها هو إجراء عمليات التجميل هذه التي شوهت ملامحها.

مع ذلك، فقد بدت نوفاك خلال ظهورها في فينيسيا بصحة جيدة وجميلة بالنظر إلى سنها، ولعلها باتت الآن أكثر تقبلاً لقوانين الطبيعة القاسية.

غالباً اتخذت نوفاك قرار إجراء عمليات التجميل في لحظة ضعف غريبة عليها، هي التي تحدت الصورة النمطية التي فرضتها عليها هوليوود، وقررت أن تعيش حياتها بعيداً عن شروط وضغوط السوق والرأي العام.

من جارية إلى ملكة

ولدت مارلين باولين نوفاك (التي عرفت باسم كيم نوفاك) في شيكاجو لأبوين مهاجرين من أصل تشيكي، وكان أبوها عامل سكك حديدية وأمها عاملة في مصنع، وتروي كيم في الفيلم الوثائقي Kim Novak’s Vertigo للمخرج ألكسندر فيليب، الذي عرض بمناسبة تكريمها في فينيسيا أن أمها حاولت إجهاضها بسبب الظروف المادية السيئة، وحتى بعد أن ولدت حاولت خنقها بمخدة، ورغم أنها نجت، إلا أنها ظلت تعاني من مشكلة في التنفس.

تروي أيضاً أنها كانت تتعرض للتنمر والإهانات في صغرها؛ بسبب أصولها الفقيرة والأجنبية، ولكنها تعلمت أن تتحمل وتقاتل، وقد تفوقت في دراستها، وحصلت على شهادة جامعية في الفن التشكيلي، كما أنها تجيد الكتابة، وكانت تنوي أن تتفرغ للرسم والأدب، غير أنها خلال زيارة إلى لوس أنجلوس في بداية الخمسينيات أصبحت عارضة أزياء، ثم تحولت إلى ممثلة بعد ان اكتشفها مدير شركة كولومبيا هاري كون، الذي عرف بصرامته ومعاملته القاسية للمممثلين، وقد فرض عليها كون تغيير اسمها "لا يوجد سوى مارلين واحدة فقط هي مارلين مونرو"، كما فرض عليها تغيير ملامحها لكي تكتسب أسنان جوان كروفورد، وشعر جين هارلو، مما ترك عليها تأثيرا سلبياً شديداً، حتى أنها كرهت هوليوود منذ البداية.

من الطريف أن ما حدث معها يذكر بما يحدث للشخصية الرئيسية من قبل رجلين مختلفين في فيلم Vertigo! وفي حوار أخير لها لصحيفة "الجارديان" البريطانية تقول نوفاك أنها تماهت مع شخصيتي مادلين وجودي اللتين تؤديهما في الفيلم (وهما شخصية واحدة لا نعرف هويتها في الحقيقة) لأنهما تشبهانها كثيراً: "كلتاهما طلب منهما أن تغيراً حقيقتهما، وأن يصبحن شيئا لا يمت لهما".

خلال سنوات معدودة تحولت الفتاة الصغيرة التي بدأت كعارضة، ثم كومبارساً في بعض الأفلام، ومنها Son of Sinbad، 1954، الذي لعبت فيه دور جارية في حريم السلطان، إلى النجمة الأكثر شعبية، خاصة بعد بطولتها لفيلم Picnic، إخراج جوشوا لوجان، 1954، المصور بتقنية "السينما سكوب" وتقنية "التكنيكولور" التي كانت جديدة وقتها، ودشنت فيه صورتها كنجمة إغراء على طريقة مارلين مونرو، وصولاً إلى دورها الأيقوني في Vertigo، 1958، تحفة ألفريد هيتشكوك، الذي تجسد فيه ذروة الجمال الأنثوي، وغموضه، وفتنته الخطرة، كما لم يفعل فيلم من قبل.

بين الساخن والبارد

وجمال كيم نوفاك فريد من نوعه، فهو بارد وعصي على النمط الإسكندنافي، ولكنه يمكن أن يصبح، بفضل صوتها المبحوح الهامس وجسدها الفارع، يمكن أن يكون حسياً وساخناً للغاية، هذا الجمال الذي يجمع الأرستقراطية مادلين، بابنة الشوارع الخلفية جودي!

وصل الصراع بين نوفاك وهوليوود ذروته؛ بسبب علاقتها بالمغني الأسود سامي ديفيز الابن، في وقت كان ينظر فيه إلى العلاقات العاطفية بين البيض والسود كانتهاك غير مقبول وغير مسموح به علناً، وقد تدخل لاري كون مدير "كولومبيا" لإجبار الاثنين على إنهاء قصة حبهما بعد أن هدد ديفيز بالقتل وبالقضاء على مستقبل نوفاك.

هذه العلاقة التي تحولت إلى موضوع فيلم بعنوان Scandalous من إخراج كولمان دومنيجو وبطولة سيدني سويني وديفيد جونسون، عرض لأول مرة ضمن عروض "سوق كان" في مايو الماضي، ومن المنتظر عرضه العام قريباً، في تعليقها على الفيلم قالت كيم نوفاك لصحيفة "الجارديان": "لم تكن علاقة "فضائحية، كانت هناك أشياء مشتركة كثيرة بيننا، الحاجة إلى أن يقبلنا الناس على ما نحن عليه حقيقة، وليس على ما نبدو عليه. ولكن أخشى أن يحول الفيلم الأمر إلى أسباب جنسية فقط".

بمرور الوقت تفاقمت كراهية نوفاك لهوليوود، حيث بدأت تنزعج من الأدوار التي تعرض وتسند إليها، "بدأت أخاف من كيم نوفاك"، رفضت نوفاك الكثير من هذه الأدوار النمطية، كما أضربت عن العمل اعتراضا على حصول زملاءها الرجال على أجور أعلى من النساء، وقامت بتأسيس شركتها الخاصة لتنتج الأفلام التي تحبها.

ورغم الهشاشة التي تبدو عليها على الشاشة، إلا أن كيم نوفاك أثبتت أنها واحدة من أقوى النساء اللواتي مررن على هوليوود. رفضت أن يتحكم فيها أحد، وتركت هوليوود في عز شعبيتها ومجدها وهي لم تتجاوز الثلاثين سوى بسنوات معدودة.

وفي المؤتمر الصحفي الذي أعقب عرض فيلم Kim Novak’s Vertigo في فينيسيا، كشفت سو كاميرون مديرة أعمال نوفاك وأمينة سرها لعقود، والمنتجة المنفذة للفيلم، بعض المعلومات غير المتداولة عن سبب ترك النجمة اللامعة لهوليوود في عز شهرتها ونجاحها، مبينة أن الأمر تفاقم عندما شب حريق في بيتها، ثم تساقطت بعض أجزائه الجبلية، ما اعتبرته نوفاك "علامة".

ولكن الأمر حسم عندما ذهبت ذات يوم لشراء "المخلل" الذي تعشقه، فلم تجد محلاً واحداً يبيعه، وهنا أدركت أنها لن تستطيع البقاء في هوليوود بعد اليوم، فحزمت أمتعتها، وانتقلت إلى بيت بعيد كانت قد اشترته منذ فترة.

عقب اعتزالها تفرغت كيم نوفاك للرسم. "أمضي 8 ساعات يوميا في الرسم"، كما تقول في الفيلم الوثائقي، "لقد أنقذ الرسم حياتي". ومن المعروف أنه في بداية الألفية  تبين أن نوفاك مصابة باضطراب ثنائي القطب، وعولجت منه.

في حوارها مع "الجارديان" تطرقت نوفاك لتعليق دونالد ترمب السخيف، وقالت أنها لم ترد على تنمره، ولكنها انتقدت ديكتاتوريته، وحثت الناس على التشجع والاعتراض على سياساته، وحول سؤال عن وضع النساء في هوليوود وهل حقق أي تقدم قالت النجمة التي اشتهرت بأنوثتها: "تقدمنا، ولكن دائماً ما نعود إلى الوراء، لا تزال الجاذبية الجنسية هي الأساس، وبات بإمكان وسائل التواصل والذكاء الاصطناعي إظهار كل شيء غير حقيقي، إنهم مخرجون اليوم السيئون، الذين يحاولون إعادة تصنيع النساء".

وأخيرا تجيب كيم نوفاك على سؤال كيف تريدين للناس أن تتذكرك؟ فتقول: "أريد أن يفكروا في أنني كنت صادقة مع نفسي، وأنني وضعت لنفسي معايير عالية وعشت بها."

* ناقد فني

 

الشرق نيوز السعودية في

04.09.2025

 
 
 
 
 

ملفات فينيسيا: (8): “كابول بين الصلوات

أمير العمري- فينيسيا

من أفلام التي عرضت خارج المسابقة في مهرجان فينيسيا السينمائي الـ82 فيلم “كابول بين الصلوات Kabul Between Prayers وهو إنتاج هولندي- بلجيلكي ومن إخراج المخرج الإيراني- الهولندي أبوزار أميني Aboozar Amini. ولابد أن يكون أميني قد حصل على موافقة من جانب السلطات في أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان حاليا، لكي تمكن من تصوير هذا الفيلم داخل أفغانستان.

المخرج أميني سبق أن حقق نجاحا كبيرا بفيلمه الأول “كابول، مدينة في مهب الريح”، الذي افتتح مهرجان السينما التسجيلية الدولي بأمستردام IDFA عام 2018، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة التي تمنح للعمل الأول في المهرجان، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم في قسم “الموجة التالية” في CPH:DOX.

أما “كابول بين الصلوات” فهو “بورتريه” لسينمائي لشاب يدعى “ساميم” (23 سنة)، هو جنديٌّ مُخلصٌ لفكر جماعة طالبان، التي ارتبط بها منذ ولادته، والفيلم يسعى لاكتشاف هذا الشخص من الداخل، أي من داخله، من خلال ما يشعر به كرجل وزوج وأب يريد أن يعيش أيضا حياة “طبيعية”، كمزارع، يزرع أرضه ويمارس العيش مع زوجته التي بدأت تشعر باليأس منه بسبب غيابه الطويل عنها. وهذا ما نعرفه من خلال حديثه تليفوني أو حديثه عن زواجه. وهو متزوج منذ سنوات لكنه لم ينجب. وساميم هذا جندي من جنود طالبان يعمل في النوبة الليلية حارسا أمام نقطة للتفتيش، يوقف السيارات، يفتش الأشخاص، يطبق ما يراه متسقا مع عقيدة طالبان التي أصبحت سلطة لدولة ممزقة بعد حرب أهلية استمرت عقدين على الأقل.

من أكثر ما يميز الفيلم أن مخرجه يتخذ موقفا محايدا.. لا يدين ولا يحكم على بطله، لا يتعاطف معه بقدر مع يسعى لتصور مأزقه الوجودي. صحيح أنه مأزقه الحياتي ناتج عن اختياره الشخصي وإخلاصه الشديد لهذا الاختيار، إلا أنه متمزق في داخله بين رغبته في الاستمتاع بالحياة، وبين توقه الشديد لأن يلقى مصير “الشهداء”- حسب اعتقاده، عن طريق القيام بعملية “انتحارية” ضد الأعداء أو “الكفار” حسب تصنيفه لهم.

طريق العودة أمام ساميم إلى الحياة الطبيعية تظل أمنية يعبر عنها في حديثه التليفوني مع فتاة يريد أن يتخذها زوجة ثانية له بسبب تعقد علاقته مع زوجته الحالية، فهو يحلم معها بتأسيس أسرة، وإنجاب أطفال، والعمل في زراعة قطعة من الأرض أهملت طويلا. لكنه في الوقت نفسه، أصبح مثلا أعلى عند شقيقه “رافي” الذي لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره والذي أصبح كل هدفه في الحياة أن يصبح أيضا شهيدا. ورغم رحيل الأمريكيين عن أفغانستان، إلا أنهم حاضرون في الأذهان، يشي بذلك كل ما يقوله ساميم أو شقيقه.

الشقيق المراهق “رافي” يحفظ القرآن في مدارس تحفيظ القرآن الشبيهة بنا يعرف بـ”الكُتاب” في مصر.. صوته جميل. وأداؤه في ترتيل آيات القرآن أكثر دقة وتأثيرا من شقيقه الأكبر ساميم نفسه الذي يدخل معه في منافسة. ولكن عندما يسأله المخرج (من وراء الكاميرا) إذا ما كان يفهم ما يردده؟ يقول له إنه لا يفهم. ويعود ليسأله: ها تفهم أي جزء من القرآن؟ فيقول إنه لا يفهم. وعندما يسأله عن المرأة أو كيف يفكر في الحب، يضحك في هجل ويستبعد الأمر لكنه يعود ويعترف بأنه مغرم بفتاة تدعى نسيمة. لكن الواضح أنه يخجل من مجرد الاقتراب أو الحديث معها.

يستخدم المخرج أسلوب رصينا في بناء الفيلم يعتمد على اللقطات الطويلة الثابتة، سواء للوجوه عن مقربة، أو اللقطات العامة والمتوسطة من مسافة. وهو يوجه بعض الأسئلة من خلف الكاميرا لبطله أو لشقيقه الذي يحاول أن يجاريه ويماثله في كل ما يفعل بل إنه يعبر أكثر من مرة خلال الفيلم، عن ولعه بالعمليات “الانتحارية”، وكذلك ساميم نفسه الذي يرى انه يتعين على جميع الأمهات تعليم أولادهن على الاستشهاد في سبيل الله. أي أنه مؤمن تماما بثقافة “الانتحار” التي يعتبرها استشهادا وجهادا في سبيل الله، وبالتالي فلا سبيل للشعور بالسلام حتى بعد أن سيطرت الحركة التي ينتمي إليها على الدولة، فالجهاد يجب أن يستمر طالما بقي “فسطاط الشر” قائما يتربص شرا بأفغانستان. وهو ما يعرب عنه أيضا الشقيق الأصغر.

هدف المخرج من الحوارات من وراء الكاميرا ليس محاصرة الشخص الذي يحاوره أو إحراجه أو الضغط عليه برأي مختلف، بل اكتشاف كيف يفكر وكيف يرى الأمور والعالم ويكشف بالتالي عن التناقض الواضح في وضعية هؤلاء الذين يطرح عليهم الأسئلة التي تبدو بريئة، محايدة، بسيطة عفوية، لكنها تكشف بذكاء عن الوجه الحقيقي للشخص الذي يعيش في دور قد لا يكون هو دوره الطبيعي، بل هو نتاج ثقافة يمكن وصفها بـ”ثقافة موت”.

يذهب ساميم مع شقيقه ومجموعة من الأطفال، ويتبعه المخرج بالكاميرا، إلى مكان معروف للعالم كله، هو موقع تماثيل بوذا الأربعة المنحوتة في الجبل أو التي كانت كذلك قبل أن تقومن طالبان بنفسها وتدميرا باعتبارها من “الأصنام” المحرمة شرعا رغم أن العالم يعتبرها من التراث الفني البديع. يقف الأولاد أمام الحفر الهائلة الموجودة في مكان التماثيل، ويبدون تعجبهم من هيكلها الضخم بل وإعجابهم بصلابة وقوة الأحجار في الجبل. وساميم يقول للمخرج إن الناس كانوا يعبدونها بدلا من عبارة الله. أما “رافي” فيقرا القرآن أمامها. ولكننا نعرف أنه يحفظ الآيات دون أن يفهمها.

من المثير بالطبع أن نعرف أن يدرس في الجامعة، ونراه وهو يتدرب على استرجاع دروس اللغة الإنجليزية. وعلى الجسر حيث يقف مع بعض زملائه، يتحدث مع زميل له عن مشكلته مع زوجته، وعندما يعرف زميله هذا الذي يقول عن أحب شيء لديه هو الحرب، أن زوجة ساميم لا تنجب ينصحه باتخاذ زوجة ثانية. ويدور حوار بينهما عن الراي الشرعي في تعدد الزوجات.

ساميم مهتم كثيرا بتعليم شقيقه رافي استخدام الأسلحة.. “فلا أحد يعلم من سيغزو أفغانستان مجددا” كما يقول. وعلى خلفية اللقطات والصور التي تتداعى، هناك دائما أصوات الآذان وقراءة القرآن وأداء الصلاة. بل إننا نشاهد كيف يتوقف الجنود فوق الجسر عن أداء عملهم ليؤدوا الصلاة فوق الجسر أمام السيارات.

وتغيب المرأة غيابا تاما عن الفيلم. باستثناء ظهورها مغطاة الوجه في سوق كابول المكتظ بالباعة والسلع الكثيرة، مع ضجيج كبير وحركة سير وازدحام. وينتقل الفيلم من المناخ الحار الراكد إلى عاصفة رملية شديدة ثم إلى هطول الثلوج التي تغطي الطرق وكيف يستمر ساميم في أداء دوره في هذا المناخ القارص البرودة.. إنه ممزق وحائر بين واجبه أو دوره الذي يعتقد انه حلق من أجله، وبين رغبته في اعتزال العمل والذهاب   لعيش حياة بسيطة. وهذه الحيرة هي أكثر ما يجعنا كمشاهدين لا يمكننا أن ندين ساميم ببساطة أو نحكم عليه ونرفضه، بل ربما نتعاطف معه ونتفهم مأزقه الناتج عن ثقافة كاملة شمولية تقمع المشاعر الطبيعية للإنسان

يقول المخرج: “هذا الفيلم لا يُصوّر جنديًا آخر من طالبان بلا وجه فحسب، بل يسعى إلى التفاعل معه كشخص. وتماشيًا مع أعمالي السابقة، فإنني أتجنبُ زخارف الكليشيهات والأجندات السياسية عند تناول مواضيعي. يُعدّ هذا المسعى مُرهقًا للغاية نظرًا للتصوير الإعلامي المُكثّف لأفغانستان على مدى العقدين أو الثلاثة الماضية، والذي غالبًا ما كان مُشبعًا بروايات مُحددة مسبقًا وغرابة. إن رؤيتي لأفغانستان تتجاوز الغرابة المُجرّدة؛ إنها تهدف إلى مُواجهة إنسانية بطل فيلمي- حتى لو كان يتبنى أيديولوجيات مُتطرفة. وعن طريق العيش بجانبه، آمل أن أُمسك بمرآة يُمكنه من خلالها أن يُلقي نظرة خاطفة على انعكاسه، مهما كان مُرعبًا. ورغم القيود الكامنة، فأنا مُلتزمٌ باغتنام كل فرصة لاستكشاف عالمه الداخلي: حتى أصغر نافذة تُتيح لي فرصةً ثمينةً من البصيرة أحاول احتضانها بالكامل”.

فيلم “كابول بين الصلوات” عمل تسجيلي متميز، يفيض بالصدق والجمال في الصورة، والتعبير من خلال الهمسات والتأملات والصور المتصادمة، وإبراز التناقض بين الأقوال والأفعال، ولكنه أساسا ينجح في تقريبنا من شخصية تبدو شديدة العادية، فلو رأينا ساميم من على مسافة لربما اعتقدنا أننا أمام شيطان يستحق الرجم، لكنه هنا يبدو في عاديته، أقرب إلى كائن إنساني صنعته ثقافة محيطه واختيارات لا تؤدي إلى شيء سوى الضياع الروحي والفكري والإنساني

 

موقع "عين على السينما" في

04.09.2025

 
 
 
 
 

«صوت هند رجب» أبكى البندقية!

شفيق طبارة

في اللحظة التي انتهى فيها عرض فيلم «صوت هند رجب»، تلاشت كلّ فكرة عقلانية، وكلّ تفكير ونزعة نقدية. انفجرت قاعات «دارسينا» و«الغراندي» في البندقية بتصفيق طويل صادق متصاعد، كأنما تحررت المشاعر دفعةً واحدة، بعد احتباس دام تسعين دقيقة

في اللحظة التي انتهى فيها عرض فيلم «صوت هند رجب»، تلاشت كلّ فكرة عقلانية، وكلّ تفكير ونزعة نقدية. انفجرت قاعات «دارسينا» و«الغراندي» في البندقية بتصفيق طويل صادق متصاعد، كأنما تحررت المشاعر دفعةً واحدة، بعد احتباس دام تسعين دقيقة.

خلال العرض أمس، لم يخترق ظلام القاعة أي تثاؤب ولا تعليق، حتى البكاء ظل خافتاً، كما لو أنّ الهواء نفسه أصبح ثقيلاً، خانقاً. ثم جاءت الدموع والتصفيق الذي بدا بلا نهاية. لم يكن هذا مجرد انفعال عابر، بل لحظة غارقة في عمق الشعور الإنساني، في الحيرة، في العجز، وفي الإحساس الملّح بالمسؤولية.

أمام صوت طفلة صغيرة تطلب العون، أدركنا جميعاً أننا لم نشاهد فيلماً فحسب، بل منذ تلك اللحظة، لم يعد بإمكاننا أن نغضّ الطرف، أو نختبئ خلف الحياد، ونبدأ بمحاسبة أنفسنا على صمت طال أكثر مما ينبغي.

لم يعد الأمر مسألة مشاهدة، بل مسألة إدراك. سلّمنا أنفسنا للفنّ والسينما لا كترف جمالي، بل كنداء إنساني، كبحث عن حلّ لمأساة مستمرة يواجهها الفلسطينيون في غزة وسط صمت العالم وتواطئه.

كلّ شيء يبدأ بـ «صوت هند رجب»، الطفلة الفلسطينية ذات السنوات الستّ، التي ظلّت محاصرةً داخل سيارة تعرّضت لإطلاق نار أثناء فرار عائلتها من القصف في غزةّ في 29 كانون الثاني (يناير) 2024، ما أسفر عن مقتل عمّها وعمّتها وثلاثة من أبناء عمومها.

الناجية الوحيدة آنذاك، ظلّت تتواصل مع الهلال الأحمر الفلسطيني عبر الهاتف طلباً للنجدة. تتعقّب المخرجة التونسية كوثر بن هنية تلك اللحظات في فيلم يتجاوز حدود الأفلام الوثائقية والروائية، مازجاً بين النوعين، ومستخدماً صوت الطفلة هند الأصلي.

وفي بعض الحالات، يستخدم صوراً ولقطات حقيقية ليروي لنا ما حدث في ذلك اليوم. نعيش مع طاقم المسعفين في مركز الهلال الأحمر الفلسطيني الذي تلقّى المكالمة، وهو يبعد 83 كيلومتراً عن غزة. لا نغادر جدران المركز، ونرى المتطوعين وإحباطهم وغضبهم (يلعب دورهم الممثلون سجى كيلاني ومعتز ملحّيس وكلارا خوري وعامر حليحل).

ستبدأ محنة طويلة، نظراً إلى ضرورة الحصول على الضوء الأخضر من «الجيش» الإسرائيلي لإنقاذ الطفلة. الخيط الوحيد الذي يربط هند بمنقذيها، المحاصرين بالبيروقراطية والاحتلال، مع جدار مليء بزملاء قُتلوا على يد الإسرائيليين أثناء تأدية واجبهم، هو خطّ الهاتف.

إرسال سيارة إسعاف مسألة كافكاوية: السيارة تحتاج 8 دقائق للوصول إليها، لكن بين التصاريح والموافقات والإشارات الضوئية الخضراء التي لم تصل، أصبحت الدقائق ساعات. يُترجم الفيلم ذلك الانتظار المُرهق إلى خريطة رقمية. مسار يُفترض أن يُشير إلى طريق الخلاص، لكنه بدلاً من ذلك يُصبح رسماً لرحلة أخيرة.

خطّ يومض وينكسر، كقلب يتوقف عن النبض، وفي الأخير تبقى الأرقام: 355 رصاصة أصابت سيارة هند، وقصفت سيارة الاسعاف التي كان يُفترض أن تُقدّم المساعدة.

«صوت هند رجب»، عمل صارخ، غاضب، مؤلم، يجمع بين الشهادة الحقيقية وإعادة البناء، ويمنح السينما ــــ كشكل تعبيري ووسيلة قادرة على التساؤل والصدمة ــــ القدرة على سرد وبناء وتصوير قصة معروفة، والأهم من ذلك، مسموعة، بما أنّ التسجيل الصوتي لهند متاح على الانترنت منذ فترة طويلة. تشكّل طبيعة التواصل جوهر القصة: صوت هند حاضر ومسموع. صوت حقيقي يسمعه الممثلون للمرة الأولى أثناء التصوير. هذا الاختيار يُعطي الصوت وظيفةً مركزيةً، سردية وشكلية.

صور وصوت ومشاعر، ممتدة ومكوّمة على مدار ساعة ونصف الساعة. وبينما يعيد الفيلم بناء الواقع، يتساءل بعمق عن طريقتنا في رؤية الواقع وسرده وتصويره.

يتحرك الفيلم في فضاء سردي حدودي، حيث ما يُعرض على الشاشة أخف وطأةً مما يبقى مخفياً. ما هو غير مرئي، وغير قابل للوصف، يصبح البطل الحقيقي. تحبُسنا هنية في تلك الغرف، حيث لا يُمكن الوصول إلى العالم الخارجي إلا عبر الهاتف، مُنشئة عالماً خانقاً. كل ما نحتاج لمعرفته مُستقى من الوجوه والعيون والدموع التي تحفر تدريجاً ألماً أعمق داخل المُشاهد، مُجبرةً إياه على تسلّق هرم من الألم والعجز والغضب والإحباط.

لا يتخذ فيلم من الرعب مظهراً، ولا يصوّر الموت كحدث استعراضي. بل يختار طريقاً أكثر قسوةً... الانتظار. ذلك الانتظار الذي لا نهاية له، المُنهك، الذي يعلو في شدّته حتى يكاد يصم الآذان. هنا، الصوت هو البطل الحقيقي، أنفاس الطفلة، رنين الهاتف، الأصوات المتقطعة على الطرف الآخر من الخطّ، ولكن قبل أي شيء، الصمت. صمت لا يُواسي، لا يمنح راحةً، بل يملأ الشاشة بغيابه الثقيل. الصورة المباشرة تُستبعد عمداً، لتفسح المجال للفراغ والغياب كي يحتلا الشاشة.

هذا الخيار لا يُضعف السرد، بل يُثريه، فغياب الصورة يُحوّل الغياب إلى حضور، ويمنح ما لم يُقل جوهراً، ويُضفي على ما لا يُرى وزناً عاطفياً مضاعفاً.

نسجت كوثر بن هنية خيوطاً دقيقة بين الحقيقي والمتخيل، من دون أن تسعى إلى محاكاة أو توضيح. إعادة بناء الواقع هنا هي دعوة للتأمل في علاقتنا بالحقيقة نفسها. أين تنتهي الوثيقة؟ وأين يبدأ الخيال؟

صوت فتاة صغيرة، يتجاوز السينما، بينما يتجاوز «صوت هند رجب» سياقه السينمائي، ليصبح نوعاً من الاستجابة للعجز، ويحمّلنا عبئاً يتطلّب الانتباه، ومسؤولية لا يمكن تجنّبها. كلمة «ضروري» كثيراً ما تُستخدم في وصف الأفلام، حتى باتت مبتذلةً، وفارغةً من معناها الحقيقي.

لكن في حالة «صوت هند رجب»، تستعيد الكلمة قوتها، وتُقال بكل صدق: هذا الفيلم ضروري، لا مجازاً ولا مجاملةً، بل ضرورة وجودية وفنيّة وأخلاقية.

هو من تلك الأفلام التي تهيمن على مهرجان، وتجسّد حقبةً زمنية، ولحظةً تاريخيةً. تقدّم لنا كوثر بن هنية فيلمها الأروع، بيان «مهرجان البندقية» في دورته الثانية والسبعين، بغض النظر عمن سيفوز بجائزة «الأسد الذهبي».
يعيد فيلم «صوت هند رجب» ترتيب العالم من حوله. يُعيد الكلّ إلى مكانه، مشاهدين، ونقّاداً، وصحافيين، وعاملين في السينما، وحتى من يظن أنه بعيد عن المأساة
.

صوت هند، في حضوره لا يترك مجالاً للحياد، وكوثر بن هنية، تضع صورة الطفلة في مكانها، تلك الصورة التي يلصقها المتطوّعون في مركز الهلال الأحمر على حيطان المركز، ليبقى وجه هند رجب أينما التفتنا، داخل الفيلم وخارجه، نيابةً عن أكثر من خمسين ألف شخص آخر!

 

####

 

فرانسوا أوزون «يعقّم» ألبير كامو!

شفيق طبارة

«اليوم ماتت أمّي. أو لعلها ماتت أمس. لست أدري. وصلتني برقية من المأوى: «الأمّ توفيت. الدّفن غداً. احتراماتنا». وهذا لا يعني شيئاً. ربما حدث الأمر بالأمس». من المستحيل نسيان افتتاحية كهذه في رواية «الغريب» لألبير كامو بعد قراءتها.

«اليوم ماتت أمّي. أو لعلها ماتت أمس. لست أدري. وصلتني برقية من المأوى: «الأمّ توفيت. الدّفن غداً. احتراماتنا». وهذا لا يعني شيئاً. ربما حدث الأمر بالأمس». من المستحيل نسيان افتتاحية كهذه في رواية «الغريب» لألبير كامو بعد قراءتها. من المستحيل، في الحقيقة، أن تتلاشى فقرات من النصّ من الذاكرة، حتى بعد عقود من قراءتها، كما من شبه المستحيل تصوير هذه الافتتاحية!

بعد سنوات من نشر الرواية (1942)، قبل كامو عرض المخرج جان رينوار لتحويلها إلى فيلم، مع جيرار فيليب في الدور الرئيسي، لكن المفاوضات بشأن الحقوق باهظة الثمن أوقفت المشروع. باءت محاولة انغمار بيرغمان بالفشل أيضاً، حتى فاز المنتج دينو دي لورانتس بالصفقة. أُسند الإخراج إلى لوتشينو فيسكونتي، واختار مارسيلو ماستروياني أداء الدور الرئيسي بعد رفض جان بول بلمندو وآلان دولون. يُعد الفيلم، من بين أقل أفلام فيسكونتي شهرةً وجرأة.

اليوم، بعد ما يقرب من ثمانين عاماً على الرواية، وأكثر من خمسين عاماً على فشل فيسكونتي، ينهار المخرج الفرنسي فرانسوا أوزون أمامها بفيلمه الرابع والعشرين «الغريب»، الذي يُعرض ضمن المسابقة الرسمية لـ «مهرجان البندقية» الحالي.

بينما يبدو أنّ اقتباسه للرواية في البداية يسعى إلى توسيع نقاطها، إذ يبدأ الفيلم بشريط إخباري خيالي يروي الحياة في الجزائر العاصمة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، مع التطور الاستعماري السياسي والعمراني الفرنسي، سرعان ما يتضح أن الهدف هو في الواقع تكرار صفحات الرواية خطوةً بخطوة. أوزون دقيق في نقل الكلمات عبر تصميمه السينوغرافي، لكن هذا التفاني يُهين النصّ. لا يبدو الفيلم منطقياً لأنه خطّي بحت، كأنّه يؤكد استحالة التعامل بتكافؤ مع نصّ حاسم ومدّمر كهذا، وصعوبة تجسيد شخصية ميرسو الأدبية بامتياز على الشاشة الكبيرة.

القصة معروفة، في الجزائر العاصمة عام 1938، يحضر ميرسو (بنيامين فوازا) جنازة والدته من دون أن يذرف دمعة. في اليوم التالي، يبدأ علاقة عاطفية مع زميلته ماري (ريبيكا ماردر). لكن سرعان ما تتعقد الأمور حين يتورط ميرسو في حياة جاره ريمون (بيار لوتان)، الذي يجرّه إلى سلسلة من الأحداث المشبوهة.

وفي لحظة مشؤومة على أحد الشواطئ، وتحت شمس حارقة، يطلق ميرسو النار على «العربي»، ما يؤدي إلى محاكمته وإدانته، ليس فقط على فعل القتل، بل على بروده العاطفي تجاه وفاة والدته.

«الغريب» لأوزون، شكليّ أنيق، مثقّف نوعاً ما. فيلم بالأبيض والأسود، ذو نصّ إرشادي، مع بعض الفواصل الحسّية والشعرية. لكنّ الذاكرة الاستعمارية، والتأمل الفلسفي، والصدام بين عبثية العالم ورغبة البشرية في الفهم، وعمق شخصية ميرسو وعدميتها المفقودة.

لا يجب استعادة الماضي بهذه الطريقة البلاستيكية المُحنّطة، بل بجب إعادة صياغته وإعادة التفكير فيه لإدراك حيويته وديمومته التي تتجاوز الصورة المنمقة. وعندما فعل أوزون ذلك، ولإبعاد نفسه عن النصّ الأصلي، أعطى العربي المقتول اسماً وقبراً، وهذا دليل آخر، للأسف، على استحاله فهم نصّ كامو فهماً حقيقياً وشاملاً.

بين لا مبالاته في مواجهة الموت، وثقل الشمس الساطعة، لم يستطع أوزون تقديم فيلم يليق بالرواية. حتى المواجهة الأخيرة بين ميرسو والكاهن بدت ميلودرامية فارغة.

الناجح في الفيلم هي الموسيقى التصويرية من تأليف الملحنة الكويتية فاطمة القادري، التي ألفت بالفعل موسيقى تمزج بين الإلكترونية والتقاليد الشرقية، ما أضفى على الفيلم طابعاً آسراً ومقلقاً. وفي شارة النهاية، يتخذ أوزون الخيار الأكثر جرأةً، إذ عزف أغنية «قتل عربي» لفرقة «ذا كيور». الأغنية التي كتبها روبرت سميث في مراهقته، قصيدة بانك قصيرة مستوحاة من الرواية، غالباً ما يُساء فهمها، وتُتهم ظلماً بالعنصرية، تجد مكانها في الفيلم، كصدى موسيقى لكامو، وتكثيف صوتي لجريمة القتل على الشاطئ، ودوار العبث.

مرّة أخرى، ينجو كامو من أسر التفسير الأحادي، ويُصرّ على أن الحقيقة لا تُختزل في سرد واحد أو منظور مغلق، تماماً كما تفعل فلسفة العبث التي يتبنّاها كامو: لا خلاص، لا عزاء، فقط مواجهة صامتة مع اللامعقول.

 

الأخبار اللبنانية في

04.09.2025

 
 
 
 
 

23 دقيقة تصفيق.. صُناع «صوت هند رجب» يرفعون علم فلسطين بعد عرض الفيلم في مهرجان فينيسيا (صور)

كتب: عبد الله خالد

احتفل صناع فيلم «صوت هند رجب»، توقيع المخرجة كوثر بن هنية، بعرض العمل أمس الأربعاء، ضمن فعاليات الدورة الـ 82 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وهو الفيلم العربي الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان وينافس على جائزة الأسد الذهبي، ونال الفيلم إعجاب الجمهور بعد عرضه وحظي بتصفيق حار لمدة 23 دقيقة من قبل المشاهدين، إذ رفع معتز مليس بطل الفيلم علم فلسطين بعد العرض.

وسبقت فعاليات السجادة الحمراء عرض الفيلم، والتي شهدت حضور صناع العمل وهم: المخرجة كوثر بن هنية، وكلارا خوري، وعامر حليحل، وسجى كلاني، ومعتز مليس، بالإضافة للنجمين براد بيت، وخواكين فينيكس، المشاركين في إنتاج الفيلم، وحرص صناع الفيلم على الاحتفاء بالطفلة الفلسطينية الشهيدة هند رجب ورفعوا صورة لها أناء وقوفعم على الريد كاربيت، إذ أن الفيلم تدور أحداثه حول قصتها.

وتدور قصة الفيلم حول الطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الـ6 سنوات قبل استشهادها، إذ عُثر على جثمانها بعد 12 يومًا على مغادرتها وأسرتها، تنفيذا لقرار قوات الاحتلال بإخلاء مناطق غرب قطاع غزة، أملًا في الاحتماء من القصف، والمسعفين اللذين هرعا لإنقاذها، من الحصار الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على المركبة التي كانت تنقلها وعائلتها.

ومن جانبها قالت مخرجة العمل، كوثر بن هنية، في تصريحات لـ «المصرى اليوم»: استمعت إلى تسجيل صوتي لهند رجب، وهي تتوسل للمساعدة، كان قد انتشر عبر الإنترنت، وشعرت وقتها بألم وحزن شديد، وتواصلت مع الهلال الأحمر وطلبت منهم سماع التسجيل الصوتي كاملًا، كان مدته حوالى 70 دقيقة، وقررت وقتها أن أقدم عملا يرصد تلك الواقعة.

وأضافت: «تحدثت بعدها مع والدة هند، ومع الأشخاص الذين حاولوا مساعدتها، ثم كتبت قصة حول حديثهم، مستخدمة التسجيل الصوتي الحقيقي لصوت هند، إذ أن أقوى أدوات السينما عندما يستمد العمل من أحداث حقيقية مؤلمة، وانتهينا من العمل كاملا في 12 شهرا».

وتُقام الدورة 82 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، في الفترة بين 27 أغسطس الجاري إلى 6 سبتمبر، في جزيرة الليدو بمدينة البندقية بإيطاليا.

 

####

 

أندرو محسن يشيد بفيلم «صوت هند رجب» ويصف عرضه في فينيسيا بالجرأة

كتب: إيمان علي

أشاد الناقد أندرو بفيلم «صوت هند رجب» للمخرجة كوثر بن هنية، معتبرًا أن العمل يمثل «فيلمًا شديد الأهمية في توقيته»، نظرًا لتناوله قضية حساسة تدين بشكل مباشر دولة الاحتلال وتوثّق جرائمها المستمرة.

وأضاف أندرو عبر صفحته على «فيسبوك»: «فيلم صوت هند رجب إخراج كوثر بن هنية، فيلم شديد الأهمية في توقيته، وجرأة كبيرة من مهرجان فينيسيا عرضه في المسابقة الرئيسية لحساسية موضوعه اللي بيدين بلا مواربة دولة الاحتلال، ويؤرخ المزيد من جرائمها التي لا تنتهي».

وأضاف: «بعيدًا عن التصفيق الممتد اللي أصبح موجود مع أفلام كثيرة ولا يعني الجودة بالضرورة، أهمية الاحتفاء بالفيلم في عرضه الأول الرسمي النهارده لمدة تجاوزت 20 دقيقة كانت في فكرة التقدير للموضوع وإثبات لموقف، وأكبر من تصفيق الإعجاب».

وتدور قصة الفيلم حول الطفلة الفلسطينية هند رجب، ذات الـ6 سنوات قبل استشهادها، إذ عُثر على جثمانها بعد 12 يومًا على مغادرتها وأسرتها، تنفيذا لقرار قوات الاحتلال بإخلاء مناطق غرب قطاع غزة، أملًا في الاحتماء من القصف، والمسعفين اللذين هرعا لإنقاذها، من الحصار الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على المركبة التي كانت تنقلها وعائلتها.

 

####

 

جايسون موموا يثير الجدل بـ«صندل» وطلاء أظافر وردي في فينيسيا (فيديو)

كتب: إيمان علي

خطف النجم العالمي جايسون موموا الأضواء في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 2025، أثناء حضوره العرض الأول لفيلمه الجديد In the Hand of Dante.

موموا ظهر بإطلالة كاملة باللون الوردي، لكنه هذه المرة أثار الجدل بجرأته، بعدما ارتدى «صندل مفتوح» كشف عن طلاء أظافره الوردي الذي حرص على تنسيقه مع ملابسه.

ولم يكن ظهوره وحده محط الأنظار، فقد رافقه نجله ناكوا-وولف البالغ من العمر 16 عامًا، الذي تألق بإطلالة منسقة مع والده، حيث ارتدى قميصًا قصير الأكمام مزينًا بالورود الوردية والسوداء مع بنطال متناسق، ليظهر الثنائي معًا بروح عصرية لافتة.

الإطلالة غير التقليدية لموموا أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين معجبين اعتبروا اختياره جريئًا ومختلفًا، وآخرين رأوا أنه تجاوز الحدود المعتادة لنجوم هوليوود على السجادة الحمراء.

 

المصري اليوم في

04.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004