ملفات خاصة

 
 
 

ملفات فينيسيا (9)

نظرة نقدية على أفلام المسابقة

أمير العمري- فينيسيا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثاني والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

كان من المثير أن نرى ذلك “الانقلاب” الذي أحدثته اختيارات السيد ألبرتو باربيرا- المدير الفني لمهرجان فينيسيا السينمائي- أعرق وأهم مهرجان سينمائي فني في العالم- لأفلام المسابقة الرسمية بوجه خاص، حيث استبعد أفلام “الأسماء الكبيرة” وفضل الاهتمام بأفلام الأسماء الجديدة نسبيا.

وتعتبر أفلام المسابقة عادة الأهم والأكثر إثارة لاهتمام الصحافة والنقد، ليس فقط لكونها تتنافس على الجائزة الكبرى للمهرجان، أي “الأسد الذهبي” وتوابعه، بل لأنها تجيز افتراض أن هذه هي خلاصة ما تلقاه المهرجان من مئات أفلام بغرض المشاركة في التنافس.

والمقصود بـ”الانقلاب” هو غلبة التنويع والأسماء الغير معروفة كثيرا، على الأسماء “الكبيرة” في مجال الإخراج السينمائي وهي التي تمنح مسابقات المهرجانات الكبرى عادة قوتها ورونقها، تستقطب الاهتمام وتثير التكهنات بشأنها. ولو توقفنا فقط أمام مثال واحد من دورة عام 1975 لأمكن أن ندرك هذه الحقيقة.

في دورة 1975 وهي الدورة رقم 33 من المهرجان، كان هناك 27 فيلما في المسابقة الرسمية، من بينها أفلام للمخرجين التالية أسماؤهم: جان لوك جودار، بوب فوس، فاسبندر، ستانلي كوبريك، ناجيزا أوشيما، باربيت شرويدر، كن راسل، فولكر شلوندورف، مرجريت دوراس، لاري بيرس، مايكل ريتشي، فرانك بيري، ميرنال سن.

اختيارات باربيرا هذا العام مزجت بين عدد من الأسماء الكبيرة المعروفة والأسماء الجديدة نسبيا، وكانت المفاجأة أن المسابقة التي تضمنت 21 فيلما، احتوت أفلاما أقل كثيرا من المستوى الأساسي الذي يجب توفره في فيلم يشارك في مسابقة مهرجان دولي كبير بمستوى مهرجان فينيسيا، من هذه الأفلام مثلا غالبية الأفلام الإيطالية المشاركة وعددها 4 أفلام، ليس من بينها سوى فيلم واحد فقط هو فيلم المخرج المرموق باولو سورينيتنو “لا جراتسيا” الذي يستحق المشاركة (كتبت ونشرت عنه في هذا الموقع).

وقد أخطأ باربيرا أيضا- في رأيي الشخصي- عندما ارتد إلى المزج بين الأجناس السينمائية فاختار فيلمين تسجيليين من إيطاليا للمسابقة، أولهما هو فيلم “تحت الغيوم” للمخرج جيان كارلو روسي، وهو عمل ضعيف على المستوى الفني، حيث يفتقد البناء القوي المتين الذي يصوغ من خلاله قصة واضحة، بل هو عبارة عن انطباعات حرة متفرقة عن الحياة والعمل في مدينة نابولي من دون أي سياق يجعل أي متفرج يشعر بمتعة المتابعة في عمل بطيء مترهل الإيقاع، شاحب الصور، يمتد لنحو ساعتين. فهل كان المطلوب المشاركة بأكبر عدد ممكن من الأفلام الإيطالية بغض النظر عن المستوى؟

أما الفيلم التسجيلي الطويل الإيطالي الثاني فهو عما تعرض له تصوير فيلم للمخرج الإيطالي ماريو ماريسكو من متاعب مع المنتجين أدى إلى توقف تصويره، وهو موضوع شديد الخصوصية قد يهم أولا وأخيرا المتفرج الإيطالي، ومما يضره الإغراق في تفاصيل غير مفيدة، بل وليس من الممكن أصلا مساواة التسجيلي بالروائي أمام لجنة تحكيم واحدة تقوم الأفلام بناء على معطيات واضحة، تختلف بالطبع من الروائي إلى التسجيلي.

الفيلم الإيطالي الثالث في المسابقة هو فيلم “دوس” Duce للمخرج بيترو مارسيللو،  دراما تقليدية تماما، عن ممثلة تقدمت في العمر لكنها تتشبث، لا تريد أن تتقاعد رغم اضطراب قوتها العقلية تدريجيا بشكل يثير الرثاء، يشوب علاقتها التوتر والقطيعة أيضا، فالواضح أن هواجسها الخاصة بالتمثيل وإدمان العمل على المسرح، جعلتها تهمل ابنتها طويلا، والابنة ترثي لحال أمها وتدرك أن صحتها تدهورت ولم تعد تقدر على العمل، كما أن دوس” تقع بسهولة في حبائل الفاشية الإيطالية بل وترحب بمقابلة مع موسوليني، الذي يريد استخدامها كنحمة مشهورة في الدعاية للنظام.. الخ ومثل هذا الموضوع سبق تناوله أكثر من مرة في السينما، في أفلام ربما تكون أكثر تماسكا وأقل ترهلا واستطرادا من هذا الفيلم المبني بالطبع على شخصية حقيقية يعرفها الإيطاليون في تاريخ المسرح في بلادهم.

الفيلم الإيطالي الرابع، “إليسا” Elisa للمخرج ليوناردو دي كوستانزو، فهو أيضا دراما تقليدية عن امرأة قتلت شقيقتها وحرقت جثتها كما حاولت قتل أمها، بسبب اضطراب شخصيتها، يصيبها بنوع من العمى والعجز عن إدراك ما تفعله بل وتفقد أيضا القدرة على تذكر أفعالها، وكيف تواجه نفسها وتسعى لفهم حالتها بمساعدة أستاذ خبير في علم الجريمة (يقوم بدوره الجزائري الأصل رشدي زيم)، متخصص في التحليل النفسي لشخصيات المجرمين الذين لا يعتبرهم مجرمين بل يعتقد أن كل منا يكمن العنف والميل للقتل في داخله. الموضوع قوي وهو شأن الفيلم السابق مقتبس عن أحداث حقيقية، والتمثيل متميز كثيرا، وقد تنال بطلته “باربرا بونشي” جائزة التمثيل.

وإذا كان يمكن فهم وجود هذا العدد من الأفلام الإيطالية الجديدة التي تمثل سينما عجوز أدركها الكثير من التعب والإرهاق، وأصبحت شبه عاجزة عن تقديم مخرجين جدد متألقي الموهبة وهي التي قدمت لنا في الماضي، وفي وقت واحد كلا من فيلليني وأنطونيوني وفيسكونتي وبازوليني وأولمي وفرنشيسكو روزي ولينا فيرتموللر، وليليانا كافاني، وبرتولوتشي وسيرجيو ليوني وتورناتوري، وغيرهم، فمن الصعب كثيرا أن نفهم اختيار فيلمين (مرة واحدة) من السينما الصينية “الرسمية”، هما أقرب إلى الميلودراما والرومانسية السطحية، كان يمكن ببساطة وضعهما خارج المسابقة، لكن يبدو أن وجود هذين الفيلمين في المسابقة يرجع إلى هدف سياسي هو الرغبة في إبراز قوة وحضور الصين، عن طريق إحاطة سينما الصين بالأضواء والترويج لها في هذا المحفل السينمائي الكبير!

الاختيارات الأمريكية كانت معقولة إلى حد كبير، ومع ذلك فقد غلبت الرغبة في جلب أكبر عدد من أسماء النجوم اللامعين على اختيار بعض الأفلام التي وجدتها دون المستوى. كانت هناك مثلا أسماء مثل جوليا روبرتس وجورج كلوني، وإيما ستون، وكيت بلانشيت، وإميلي بلانت، وجاكوب الرودي، وجريتا جرويج.. إلخ.

لا يعدو فيلم جوليا روبرتس، “بعد المطاردة” After the Hunt الذي أحيط بضجيج كبير، سوى عمل متوسط الجودة، قد يصلح أكثر لقضاء سهرة تليفزيونية، وربما يكون اختياره راجعا إلى أن مخرجه إيطالي وهو لوكا جوادينينو صاحب الحظ السعيد في مهرجانات العالم رغم مستواه المتوسط بشكل عام. وفيلمه الجديد مليء بالثرثرة والأحاديث المتعالية المليئة بالمصطلحات الفلسفية ولغة المثقفين، كونها تدور بين حلقة من أساتذة الفلسفة في جامعة ييل الأمريكية، بينما لا يحقق موضوعه المضطرب مبتغاه، ويظل متسما بقدر من الغموض.

إنه يدور حول طالبة جامعية (سوداء) لا تتمتع في الحقيقة بأي قدر من الجمال أو الجاذبية، تتهم أحد أساتذتها بالاعتداء الجنسي عليها، في حين أنه يصر أنه بريء، والوسيط الواقع في المنتصف بين هذه الطالبة والأستاذ المتهم، هي جوليا روبرتس وهي مدرسة في قسم الفلسفة مع ذلك المدرس المتهم. إنها تتمتع بثقة الطالبة بل بإعجابها كونها أيضا لا تخفي ميولها الجنسية المثلية تجاهها، وفي نفس الوقت، ترتبط “روبرتس” بعلاقة جنسية سرية مع هذا المدرس المتهم، رغم أن زوجها يحبها كثيرا جدا. لكنها لا تتركه بل تواصل علاقته معه وتكذب عليها، وتخفي تطلعاتها وطموحها المهني الذي يجعلها في وقت ما، تتخذ موقف من هذه الطالبة. الزوج طبيب نفسي ناجح، لكنه يبدو متخصصا في الطهي لجوليا وزملائها داخل المنزل أكثر من ممارسة الطب (أو أن هذا ما نراه وما يكثر الفيلم منه في محاولة لترسيخ فكرة أن الرجل أصبح هو الذي يقوم بالعمل التقليدي للمرأة، بينما المرأة تقوم بعمل الرجل!!).

والفيلم يناقش مشكلة الضحية: وكيف يمكن النظر إليها في المجتمع، وهل يجب تصديق ما تقوله دائما والانحياز لصفها، وهل أخطأت الأستاذة روبرتس عندما اتهمتها بالكذب ثم تراجعت عن ذلك بعد أن وجدت ما يوحي بأن الرجل ربما يكون قد ارتكب ما تنسبه الطالبة إليه رغم ان لا دليل عليه؟ وهل يتغلب سعي روبرتس للحصول على ترقية في الجامعة على الالتزام بمعايير النزاهة والاستقامة في التقدير والحكم، وكلها أفكار نظرية يتم التعبير عنها بالحديث والثرثرة والشرح والتبرير والتفسير والاختلاف في الرأي.. أي أن الفيلم فقير جدا بصريا، فالضوء فيه موظف لإضفاء الجو العام الكئيب المليء بالتشكك فقط، والمونتاج مكرس للانتقال بين الأفواه المتكلمة، مع بيان طبيعة المكان.

لم ألحق عرض الفيلم الأمريكي “جين كيلي”  Jane Kally للمخرج نوح بومباخ، ولم أستطع الصمود أمام الفيلم البريطاني للمخرجة النرويجية مونا فيسفولد “وصية آن لي” فغادرت  العرض بعد نحو 45 دقيقة، لذلك لا أستطيع ان أكتب أو أقرر شيئا بشأن هذين الفيلمين. لكني شاهدت باقي الأفلام وأهمها بالطبع فيلم “آلة التدمير” The Smashing Machine للمخرج “بيني صفدي” (39 سنة) الذي يطرحونه في أوساط صناعة السينما حاليا باعتباره الموهبة المتألقة الجديدة التي ستدهش العالم.

آلة التدمير” فيلم “رياضي” حسب التصنيف الأمريكي، ومن أفلام سير الشخصيات، فهو يدور حول حياة “مارك كير” المصارع السابق ومقاتل ما يعرف بـ”فنون القتال” المختلطة المتعددة (نوع من المصارعة الحرة) الذي يقوم بدوره في الفيلم المصارع الحقيقي أيضا (الذي تحول منذ سنوات إلى التمثيل) وهو دواين جونسون، إلى جانب إيميلي بلانت في دور حبيبته (ثم زوجته) التي لا تشعر بالراحة أبدا معه، وتبدو مؤرقة بل ومصابة بالعصاب، ليس خوفا عليه، بل ربما تشعر بالغيرة من تركز الاهتمام عليه وأن دورها انحسر في عمل المنزل فقط والاهتمام به ورعايته، بينما تشعر هي بالاحتياج والتعويض النفسي رغم أن بطلنا هذا، الذي يمارس أقسى درجات العنف، يتمتع برقة وطيبة قلب ظاهرة تماما، ورغم استفزازاتها المستمرة له إلا أنه لا يمد يده  عليها قط،، ولكن عندما كان يفيض به الكيل كان يكسر باب غرفة، بينما تقوم هي في سورة غضبها بتحطيم الهدية الثمينة النادرة أو التحفة الأثرية التي اشتراها هو من اليابان وأهداها إليها. هي متشككة، متوجسة دائما، تريد أن تكون معه في كل مكان، تشغر بالغيرة من علاقته بأصدقائه وزملائه في لك الرياضة العنفة وتتسبب بالتالي في هزيمته وهبوطه من بطولة العالم الى أسفل سافلين.

الفيلم يطرح تساؤلات مثل هل يستحق الأمر كل هذه المعاناة والدمار الجسدي الذي يدفع البطل تدريجيا الى إدكان العقاقير المسكنة للألم؟ وهل كان الأمر يستحق أن يجد البطل نفسه مضطرا لممارسة هذه الرياضة أكثر في اليابان خارج بلاده، حيث يستغل اليابانيون كيف يستغلون هذا النوع من القتال العنيف لجني الأموال؟ وهل كان القتال أولا وأخيرا تنافسا عنيفا يضطر البطل خلاله أيضا إلى الفتك بصديقه غن حدث ونازله على الحلبة، من أجل الحصول على المكافأة المالية الضخمة المرصودة؟

 إنها قصة مؤثرة مصنوعة جيدا، وفيها يتألق دواين جونسون (الذي عرف باسم الصخرة) في أداء دور يشبهه كثيرا في الواقع، بجسده الضخم وعضلاته المفتولة، وتبدو جميع مشاهد المصارعة حقيقية تماما ومقنعة بدرجة مدهشة حقا. ربما نكون قد شاهدنا مثيلا لها في فيلم أفضل كثيرا ويبقى في الذاكرة هو فيلم “المصارع” The Wrestler الذي قام ببطولته الممثل ميكي رورك وأخرجه دارين أرونوفسكي، أو فيلم “الرجل السندريلا” لرون هاوراد الذي قام ببطولته راسل كرو وأمامه رينيه زيلويجر، وكلاهما عرض في مسابقة مهرجان فينيسيا عامي 2005 و2008.

أما فيلم “اليتيم” للمخرج المجري لازلو نيمتس (الذي أتحفنا قبل سنوات بفيلمه البديع “أين شاؤول”- 2015)، فجاء أقل كثيرا مما كان متوقعا. إنه يصور محنة طفل مراهق يقدس سيرة والده الغائب منذ الحرب العالمية الثانية، لا نعرف ما إذا كان على قيد الحياة أو مات، يرفض علاقة أمه بجزاء بدين يبدو فظا لكن من دون لحظات من التودد والرغبة في تبني الولد. هناك أجواء قاتمة مظللة بالألوان والإضاءة الداكنة في معظم المشاهد، مع استخدام الحجم الخانق للشاشة، مع الإشارة إلى أصداء ما وقع في المجر في منتصف الخمسينيات، من هزيمة الانتفاضة على الوجود السوفيتي. العمل بشكل عام لم ينجح في الربط بين الموضوع السياسي والحالة الشخصية لطفل ينضج على ضوء اللحظة التاريخية.

أعجبني كثيرا الجزئين: الأول والثاني- من فيلم المخرج الأمريكي الموهوب جيم جارموش “أب أم أخ أخت”. ولكني شعرت أن جارموش أفسد فيلمه بيده، عندما ابتعد تماما في الجزء الثالث والأخير من الفيلم، عن الأسلوب الذي اتبعه في الجزئين الأول والثاني، ولجأ لتصوير علاقة بين شقيق وشقيقة (من الأمريكيين الأفارقة)، أراد من خلال قصتهما وهما يعودان الى شقة العائلة التي نشأ كلاهما فيها في باريس، أن يتذكرا طفولتهما ثم يسترجعان ما حل من مأساة مع وفاة الأب والأم في حادث أليم، ويتجاوزانه بالحب والذكرى. هنا فقد الفيلم كل ما حققه من طرافة ومرح وحوار يتميز بالطرافة والدفء وعبثية الحياة في الجزئين الأول والثاني. وفيهما يلخص جارموش في بلاغة مدهشة، غياب الألفة بين البشر داخل العائلة الواحدة، والعجز عن العثور على الكلمات، واللجوء بالتالي إلى تكرار عبارات لا معنى لها، وإخفاء المشاعر الحقيقية مع التظاهر الكاذب بأن كل شيء على ما يرام بينما لا يبدو الأمر كذلك..

طبعا هنا نرى مباراة رائعة في التمثيل بين آدم درايفر وكيت بلانشيت وشارلوت رامبلنج وفيكي كريبس وساره جرين. ويصور جارموش الفيلم منتقلا من بلدة نائية في الشمال الشرقي من الولايات المتحدة تغطيها الثلوج، إلى دبلن في أيرلندا، إلى العاصمة الفرنسية باريس. وهي أحب الأماكن إليه كما يقول.

هذا فيلم طريف وبسيط ومعبر، مكتوب جيدا جدا إلى حد كبير غير أن إيقاع الفيلم ولغته وانقلاب أسلوبه كله رأسا على عقب في الجزء الثالث الذي يدور في باريس- كما ذكرت- تسبب في هبوط الإيقاع وفقدان الحوار جاذبيته وطرافته، وبدا أن جارموش يريد أن يختم فيلمه بنوع من التفاؤل رغم كل قبح الواقع.

ويمكن القول إن أهم أفلام المسابقة هي تلك التي تناولت مواضيع سياسية على نحو أو آخر، وإن كانت أهميتها لا تنبع من قوة الرسالة السياسية- إن كانت هناك أي رسالة- بل من مستواها الفني وطريقة صياغة الموضوع والأداء. هذه الأفلام هي “صوت هند رجب” لكوثر بن هنية وهو أفضل وأقوى أفلامها حتى الآن منذ فيلم “شلاط تونس” (كانت أفلام “على كف عفريت، و”الرجل الذي باع ظهره” و”بنات ألفة” أقل كثيرا مما أحاط بها من دعاية وترويج واهتمام مهرجاني).

يأتي بعد ذلك “فرانكشتاين” لجييرمو ديلتورو، وهو عمل إبداعي كبير بل وأفضل معالجة للرواية الشهيرة منذ نسخة عام 1931 الذي قام ببطولته بوريس كارلوف، رغم أن بعض نقاد الغرب (ومن ينقلون عنهم بالطبع)، قد لا يرونه كذلك.

بعد ذلك يأتي الفيلم الفرنسي البديع “في العمل” At Work (راجع مقالي عنه في هذا الموقع)، والفيلم الفرنسي “الغريب” عن رواية ألبير كامي للمخرج فرانسوا أوزون وهو قد يكون المعالجة الأفضل والأكمل لهذا العمل الصعب متفوقا على فيلم فيسكونتي عن الرواية نفسها، وربما يكون أفضل أفلام المسابقة بعد “لا جراتسيا” La Grazia للعملاق سورينتينو، و”ساحر الكرملين” لأوليفييه أسايس وهو عمل جيد جدا رغم بعض الملاحظات، و”منزل الديناميت” للمخرجة الأمريكية كاثرين بيغلو (يستحق مقالا خاصا بالطبع) وهو عمل شجاع يناهض بقوة عودة التنافس على السباق النووي وما يحيط عالمنا من شر مستطير قد يقع في أي لحظة.

الفيلم المجري “الصديق الصامت” للمخرج إنيكو أنيادي، عمل تجريبي طريف، عن علاقة الإنسان بعالم النباتات، يفترض أن النباتات تسمعنا وتفهم ما نقوله بل وتتحدث إلينا أيضا بلغة سرية يمكننا تسجيلها، بوسائل علمية حديثة، ولكن الطبع الكوميدي يطغى على الفيلم وشخصياته التي تتصف بالكاريكاتورية في الأداء، مع الانتقال المستمر بين أربعة أزمنة، وبين الأبيض والأسود والألوان. وقد وجد هذا الفيلم أصداء قوية بين النقاد، لكنه يتطلب صبرا وتفهما وربما أيضا، معرفة ببعض أسرار علم النبات، ولم يكن هناك بأس من عرضه بالمسابقة بالطبع كنوع مختلف عن سائر الأفلام.

شخصيا لم أجد الفيلم الكوري الجنوبي لبارك تشان ووك- “لا يوجد اختيارآخر” No Other Choice – عملا عظيما كما رأه الكثير من نقاد أوروبا الذين ضحكوا كثيرا على كل ما يحتويه هذا العمل المفتعل من تفاهات. فهو عن رجل متخصص في صناعة الورق، فقد عمله بعد 25 عاما قضاها في المصنع، وأصبح يسعى للحصول على وظيفة في المجال الذي تخصص فيه، ولكنه يفشل فيلجأ إلى قتل جميع المتقدمين معه للحصول على نفس الوظيفة، وتقع مفارقات كثيرة يفترض أنها مضحكة، وعنف بالغ، وتنفجر دماء كرتونية كثيرة، وهو ما يجده البعض طريفا ومضحكا ولم أجده كذلك، بل وجدت أيضا أن الفيلم يكرر نفسه كثيرا، ويمتد في الزمن ويفتعل الكثير من الالتواءات التي لا تقنع أحدا، ويمتليء بالنحيب والصراخ والهستيريا والضجيج.

عموما، الدورة شهدت الكثير من الأعمال المهمة خارج المسابقة، وفي الأقسام الفرعية مثل أسبوع النقاد وأيام فينيسيا (أو أيام المؤلفين). وأرجو لمن يحب- أن يراجع ما نشرته في “عين على السينما” خلال المهرجان عن عدد من أهم ما شاهدته من الأفلام التي أعجبتني، وتجنبت الكتابة عما لم يعجبني.

أفضل أفلام المسابقة

لا جراتسيا

الغريب

في العمل

صوت هند رجب

فرانكنشتاين

أب أم أخ أخت

بيوغونيا

ساحر الكرملين

 

####

 

جوائز مسابقة مهرجان فينيسيا السينمائي الـ82

أخبار وتحقيقاتمهرجانات أجنبية

المسابقة الرسمية:

الأسد الذهبي: أب أم أخ أخت- جيم جارموش

الأسد الفضي: الجائزة الكبرى للجنة التحكيم: صوت هند رجب- كوثر بن هنية

الأسد الفضي لأفضل إخراج: الألة المدمرة- بيني صفدي

جائزة لجنة التحكيم الخاصة: تحت الغيوم (تسجيلي)- جيان فرانكو روسي

 جائزة أفضل سيناريو: فاليري دونزيللي عن فيلم “في العمل

أفضل ممثل: توني سيرفيللو عن دوره في “جراتسيا” لباولو سورينتينو

جائزة أفضل ممثلة: تشن جيلي عن دورها في الفيلم الصيني “الشمس تشرق فوقنا جميعا

جائزة مارشيللو ماستروياني لأفضل ممثل أو ممثلة شابة: لونا ويدلر عن دورها في فيلم “الصديق الصامت”- المجر

جائزة “أسد المستقبل”- لويجي دي لورانتيس لأفضل عمل أول: “صيف قصير” للمخرجة ناستيا كوركيا (أوكرانيا)

جائزة الجمهور (أرماني): حارة ملقا- مريم توزاني

 

موقع "عين على السينما" في

06.09.2025

 
 
 
 
 

«أب أم أخت أخ» لجيم جارموش… أسرار صغيرة تكشف هشاشة الروابط الكبيرة

نسرين سيد أحمد

فينيسيا – «القدس العربي» : في الدورة الثانية والثمانين من مهرجان فينيسيا السينمائي (27 أغسطس/آب – 7 سبتمبر/أيلول 2025)، يعود المخرج الأمريكي جيم جارموش بفيلم جديد يتألف من ثلاث حكايات قصيرة، تحمل عنواناً بسيطاً ومباشراً: «أب أم أخت أخ». ومع بساطة العنوان، يفتح الفيلم باباً واسعاً على أكثر العلاقات الإنسانية تعقيداً: علاقة الأبناء بآبائهم وأمهاتهم، والأشقاء بعضهم مع بعض، في مرحلة متأخرة من العمر حيث تختلط المحبة بالخذلان، والذاكرة بالصمت، والحنين بالمرارة.

جارموش، الذي اعتاد أن يصف نفسه بشاعر السينما البطيئة، يقدّم هنا ما يشبه الفيلم، ينساب بهدوء ورفق، رغم ثقل مواضيعه والعلاقات الإنسانية التي يناقشها. فالأحداث لا تتصاعد نحو ذروة، بل تنحسر في لحظات يومية عابرة، في فراغات الصمت أكثر مما في الكلمات. ومع ذلك، ثمة حركة داخلية كثيفة، أشبه بتيار خفي يحرّك النفوس المترددة والمُثقلة بما لم يُقل يوماً. إنها سينما تتأمل هشاشة الروابط العائلية، وتطرح سؤالاً ملحاً: إذا لم يسعَ الآباء إلى لقاء إلى الأبناء في منتصف الطريق، لماذا ينبغي على الأبناء أن يسعوا إليهم؟

يتناول الفيلم ثلاث قصص منفصلة مكانياً وزمانياً، لكنها متصلة بروح واحدة. في «الأب»، نلتقي جيف (آدم درايفر) وشقيقته إيمي (مايم بياليك) وهما يزوران والدهما (توم ويتس) بعد سنوات من الانقطاع. الأب يعيش منعزلاً كناسِكٍ عجوز بالقرب من بحيرة في مكان ما في الريف الأمريكي، فيما يحضر الأبناء اللقاء ببرود أشبه بزيارة رسمية. يظل التوتر خفياً، حاضراً في الهامش، في ذكريات مشوشة عن انهيار الأب في جنازة الأم، في كلمات مقتضبة حول «العلاقات العائلية» التي لا أحد يريد تسميتها حباً. هي علاقة الصمت فيها هو سيد الموقف، والبخل في المشاعر حاضر بقوة من جهة الأب والابنة، لكن الابن يحاول قدر المستطاع أن يكون كريما بماله مع والده مع تحفظ كبير في المشاعر.

القصة الثانية، «الأم»، تنتقل إلى دبلن، حيث تجتمع الأختان تيموثيا (كيت بلانشيت) ولِيلِيث (فيكي كريبس) في بيت والدتهما الكاتبة (شارلوت رامبلنغ). ثمة تلاعب بالصور والانطباعات. الأم، المؤلفة الشهيرة، تعيش في سعة من العيش، في منزل فسيح أنيق، وتبدأ القصة بها وهي تحدت معالجتها النفسية، قائلة إنها تستعد للقاء السنوي مع ابنتيها، وتشكر الطبيبة لأنها ساعدتها في حصر تلك العلاقة في لقاء سنوي واحد. يبدو أن الابنتين تضعان أمهما ونجاحها كمقياس لنجاح حياتهما. الابنة الصغرى، ليليث، تختلق قصة عن نجاحها الكبير في عملها الخاص وعن سيارتها الفارهة التي ستتسلمها قريباً ولذلك اضطرت للقدوم في سيارة أوبر، كي تخفي ضائقتها المالية، ولتبدو ناجحة في نظر أمها. أما الابنة الكبرى فتود أن تحصل على رضا الأم بتأكيد نجاحاتها وترقيها الوظيفي.

أما الفصل الثالث «الأخت والأخ»، فيأخذنا إلى باريس حيث يلتقي التوأمان سكاي (إنديا مور) وبيلي (لوكا سابات) لتفقد شقة والديهما المتوفيين في حادث طائرة. يبدآن بتعاطي جرعات صغيرة من المشروم المهلوس، كأنهما يبحثان عن بوابة بديلة لفهم الفقد. يتجولان في غرف شبه خالية، يتأملان ما تبقى من مقتنيات بسيطة، ويتركان الكلام ينساب عفوياً. على خلاف الفصلين السابقين، هنا قدر أكبر من الحميمية والروابط النفسية القوية بين الأح والأخت. وفي هذه القصة الثالثة أيضا، ورغم وفاة الوالدين، نجد إقبالاً أكبر بكثير لدي الابن والابنة لاستعادة خيط تواصل مع الوالدين، عبر الأشياء الصغيرة التي خلفاها وراءهما: ذوق الأم في الموسيقى، لوحة قديمة، تذكر بالحياة البوهيمية التي عاشتها الأسرة. النهاية تترك أثراً من أمل خافت: قد تكون المصالحة ممكنة، ولو متأخرة.

ما يفعله جارموش في هذا الفيلم هو الاحتفاء بما يبدو عادياً وعابراً، ولكنه يحمل ثقلاً نفسياً ومغزى كبيرا: ساعة روليكس تظهر في كل فصل وتحمل مغزى وتفسيراً مختلفين في كل قصة، عبارة واحدة تتكرر بالصيغة نفسها بشكل عابر في جميع القصص، ولكن المشاعر التي تثيرها مختلفة تماماً، لقطات متكررة لفتية يتزلجون على ألواحهم وسط الطريق في حركة بطيئة. هذه التفاصيل ليست مجرد زخارف، بل علامات تذكّرنا بأن الحياة اليومية، بما تحمله من عادات لغوية وإشارات متكررة، هي التي تنسج خيوط الانتماء. ومن خلال هذه العلامات، يخلق جارموش نسيجاً خفياً يربط بين الحكايات الثلاث، رغم اختلاف البيئات والطبقات الاجتماعية.
الصمت محمل بالكثير من المغزى والدلالات في فيلم جارموش. معظم لحظات الفيلم تقوم على الصمت، على «اللاحدث». ففي لقاء الأب مع ولديه، أو الأم مع ابنتيها، أو التوأمين في الشقة الخالية، لا يدور حوار فعلي طويل أو مكثف. لكن الصمت نفسه يصبح بديلاً عن الكثير من الارتباك أو التردد أو الرغبة في البوح أو الرغبة في اللوم أو حتى الاتهام. نظرات مرتبكة وابتسامات خجولة كتلك التي يتبادلها الأغراب تصبح بديلا للكثير مما يجب أن يقال أو لا يقال. في قصة الأم نرى الكثير من المشاهد من أعلى، على المائدة التي صفت عليها الأم أصنافاً من الكعك الفاخر الذي رُتب بعناية في آنية من البورسلين الأنيق. تتذوق الابنتان أنواع الحلوى في تأدب بالغ وتثنيان على ذوق الأم. لكن ما يتناوله الجميع على مائدة الفيلم هو الصمت المهذب، الذي يحمل الكثير في طياته.

من يشاهد «أب أم أخت أخ» سيستعيد فوراً تجارب جارموش السابقة، في أفلام مثل «قهوة وسجائر» و»باترسون». في كل هذه الأفلام يتأمل جارموش العلاقات الإنسانية في مساحاتها الهامشية، بعيداً عن الصراع التقليدي أو الذروة الدرامية. هنا اختبار جارموش واحدة من أكثر العلاقات تعقيداً: العلاقة بين الآباء والأبناء، بين أبناء يحملون جروحاً قديمة، وآباء يعيشون حياتهم الخاصة بمعزل عن تلك الجروح. الرسالة الضمنية قاسية ولكنها صادقة: قد لا يمنحنا آباؤنا ما نريد من حنان أو اعتراف، لكنهم يعيشون حيواتهم كما نعيش نحن، بكل تناقضاتها وأسرارها.

الطابع المميز للفيلم أيضاً هو دقة اختيار الممثلين. توم ويتس، بصلابته الغريبة، يجسد أباً متقلباً يصعب الإمساك بمشاعره. كيت بلانشيت وفيكي كريبس تقدمان ثنائياً غريباً من الأخوات، إحداهما تترك التأنق الأنثوي للأم، وتبدو كطالبة مدرسة دؤوب بنظارتها وشعرها القصير واجتهادها في وظيفتها، والأخرى غارقة تحاول تعويض إبهار أمها بنجاحات وهمية. أما شارلوت رامبلنغ فتمنح الفيلم وقاره الأكبر، حضورها يكفي ليقول كل ما لم يُقل. وفي الفصل الأخير، يبرع كل من إنديا مور ولوكا سابات في تقديم علاقة توأمية تلقائية، عفوية، تضفي دفئاً خاصاً على الختام. في جوهره، يتساءل الفيلم: هل نعرف أهلنا فعلاً؟ وهل يعرفوننا؟ المشاعر العائلية التي تبدو بدهية ليست كذلك دوماً. نحن نظن أن الحب مضمون بحكم القرابة، لكن الحب لا يعني المعرفة، ولا يلغي المسافات. في كل فصل من الفصول الثلاثة، يكتشف الأبناء جانباً من حياة ذويهم لم يكونوا على دراية به، كأن مهمة الأهل، إضافة إلى التربية، هي أن يتركوا وراءهم ألغازاً صغيرة، أسراراً تكشف غنى حياتهم بعيداً عن أعين أبنائهم. بهذا المعنى، يصبح الفيلم تأملاً في الذكريات، الإشارات، الأشياء الصغيرة التي تبقى بعد الغياب. ولعل الأقرب إلى القلب في الفيلم أنه لا يتعامل مع هذه القضايا الكبرى، التي أعد عنها علماء النفس دراسات وألفوا كتباً وامتلأت بسببها عيادات الأطباء النفسيين، بجدية مطلقة. فالتعليقات العابرة، والمفارقات التي تبدو بسيطة، تمنح العمل خفة لافتة. في مشهد من مشاهد الفصل الأول، يقترح الأب أن يشربوا نخب العلاقات العائلية بكوب من الشاي. المفارقة تكمن في أن الكلمة نفسها تحمل مسافة، وكأن العلاقة التي تجمعهم لا يمكن تسميتها حباً، بل مجرد صلة بيولوجية. هذه السخرية هي ما يميز أسلوب جارموش المتمثل في القدرة على النظر إلى الوجود بعين فاحصة متأملة ومتعاطغة في آن.

«أب أم أخت أخ» ليس فيلماً يقدم أجوبة، بل يترك الأسئلة معلّقة في الهواء. يذكّرنا بأن العلاقات العائلية ليست قابلة دائماً للتفسير، أو الإصلاح، لكنها تبقى موجودة، مثل نغمة متواصلة في الخلفية. إنها سينما جارموش في أنقى صورها: بطيئة، هادئة متأملة، مليئة بالصمت، لكنها مشحونة بالحياة.

 

القدس العربي اللندنية في

05.09.2025

 
 
 
 
 

تساي مينغ ليانغ في «ماستر كلاس فينيسيا»:

أفلامي عن الحياة الواقعية وليس تاريخ تايون

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

أدلى المخرج التايواني تساي مينغ ليانغ بعدة تصريحات خلال (ماستر كلاس) مهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82، قائلاً: "لم أصنع أفلامًا عن تاريخ تايوان، بل عن الواقعية اليومية. كان أحد أساتذتي هو من طلب مني تصوير الحياة اليومية على التلفزيون، عندما كان لا يزال يتناول المواضيع السياسية أو الاجتماعية بشكل رئيسي. كان الهدف هو مساعدة الناس على معرفة أنفسهم. متأثرًا بالتيارات السينمائية الأوروبية".

وأضاف ليانغ: "منذ أن كنت في الثالثة من عمري وحتى سنوات دراستي الجامعية، كنت أشاهد الأفلام السائدة. لذا، عندما تغيرت عروض الأفلام مع انهيار النظام، شعرتُ بسعادة غامرة".

وتابع: " عندما صنعتُ فيلمي الروائي الطويل الأول، "متمردو إله النيون"، لم يكن السيناريو قد اكتمل بعد. مع ذلك، حالفني الحظ بالحصول على تمويل لإنتاج هذا الفيلم المستقل الصغير".

واسترسل: "في ذلك الوقت، لم تكن صناعة السينما في آسيا - باستثناء هونغ كونغ - متنوعة للغاية: كانت الأفلام السائدة تدور في الغالب حول الحب. لم يكن الإبداع خيارًا متاحًا".

وقال ليانغ: "لاحقًا، حدث تحول سياسي، ودخلنا عصرًا أكثر حرية. بفضل ديمقراطية الحكومة، بدأ الجمهور في تايوان يرغب في معرفة ما يحدث في مدينتهم. أرادوا أيضًا الترفيه. أخيرًا، تمكنا من الوصول إلى أفلام عالمية، مثل أفلام الموجة الجديدة والواقعية الجديدة الإيطالية، والتي أثرت بعمق على صناعة أفلامي."

حظي المخرج تساي مينغ ليانغ باهتمام عالمي بعد فوزه بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والخمسين عن فيلمه "يعيش الحب" (1994)، وتمت دعوة جميع أفلامه الطويلة إلى أكبر ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم، بما في ذلك مهرجان كان السينمائي الدولي. كما أخرج تساي فيلم "وجه" (2009)، وهو أول فيلم يملكه متحف اللوفر في باريس، فرنسا.

 

####

 

لبنان تحصد جائزة الجمهور بـ «نجوم الأمل والألم» ..

و«داخل أمير» يفوز بالجائزة الكبري لـ«أيام فينيسيا»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

فاز فيلم "داخل أمير ـ Inside Amir"، وهو فيلم روائي طويل جديد للكاتب والمخرج أمير عزيزي، والذي يروي قصة شاب في طهران، إيران، على وشك الهجرة، بالجائزة الكبرى لـ أيام فينيسيا» القسم الموازي المستقل في دورة 2025 من مهرجان فينيسيا السينمائي الـ 82.

ومُنحت جائزة اختيار الجمهور، "التي تُحدد بناءً على تفضيلات المشاهدين في قاعة بيرلا بقصر الكازينو في نهاية عروض الأفلام المختارة رسميًا"، لفيلمين متساويين، هما "نجوم الأمل والألم ـ A Sad and Beautiful World" للمخرج اللبناني سيريل عريس، و"ذاكرة ـ Memory " للمخرجة فلادلينا ساندو.

وفي الوقت نفسه، مُنحت جائزة يوروبا سينماز ليبل لفيلم "بيركيف ـ Bearcave" للمخرجين ستيرجيوس دينوبولوس وكريسيانا ب. باباداكيس.

ترأس لجنة تحكيم قسم أيام فينيسيا، الكاتب والمخرج النرويجي داغ يوهان هاوجيرود، وضمت أيضًا المنتجة الإيطالية فرانشيسكا أندريولي، من شركة فيرميجليو، والمخرجة الفرنسية الفلسطينية لينا سوالم (باي باي طبريا)، وجوش سيجل، أمين متحف الفن الحديث في نيويورك، والمصور السينمائي التونسي سفيان الفاني (لا في داديل، تمبكتو).

وصفت لجنة التحكيم فيلم "داخل أمير" بأنه "تأمل في الحياة اليومية"، وأضافت: "يُذكرنا الفيلم كيف أن الروتين اليومي، والتنقلات، والأحاديث مع الأصدقاء توفر الأمان والحرية. من خلال إطار يكشف شيئًا فشيئًا عن حياة معقدة تتسم بالفقد والحزن على خلفية من المنفى والاضطرابات الاجتماعية، يطرح الفيلم أسئلة جوهرية حول معنى الانتماء والشكوك الوجودية التي تترتب على هذه الأفكار".

واختتمت لجنة التحكيم قائلةً: "إنه فيلمٌ يستحق المشاهدة، ويُظهر كيف تُسهم اللقاءات العفوية وغير المتوقعة في بناء حياةٍ غنية. يُضفي الحوار الدقيق والإخراج المسرحي للفيلم إحساسًا قويًا بالحضور، ويشعر المشاهد بكرمٍ في طريقة دعوته للانضمام إلى مجموعة من الأصدقاء، والمشاركة في أحاديث حميمة وعميقة وعادية. ومن الأمور الأخرى التي تُضفي متعةً كبيرةً عند مشاهدة هذا الفيلم الاستخدام الدقيق لفترات زمنية مختلفة، غالبًا في الإطار نفسه، وغالبًا خلال نفس جولة الدراجة."

ويُوصف فيلم "نجوم الأمل والألم" بأنه "قصة حب آسرة" تمتد لثلاثة عقود، حيث يجد نينو وياسمينة نفسيهما منجذبتين إلى بعضهما البعض بفضل علاقة ساحرة، وبينما يواجهان خيارًا مستحيلًا بين الحب والبقاء على قيد الحياة، يجب عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون بناء أسرة ورسم طريق السعادة في لبنان، على الرغم من المآسي التي تجتاح البلاد.

ويقول ملخص فيلم "ذاكرة": "تنتقل فلادلينا، البالغة من العمر ست سنوات، من شبه جزيرة القرم إلى غروزني بعد طلاق والديها، غير مدركة أن الحرب ستقضي على طفولتها قريبًا". "مع انهيار الاتحاد السوفيتي، تتفكك جمهورية الشيشان. يفر أصدقاؤها الناطقون بالروسية بينما يعود الشيشانيون المهجّرون، مستردين وطنهم. تتصاعد التوترات، وينشب صراع مسلح".

 

####

 

مراجعة فيلم | «نجوم الأمل والألم» لـ سيريل عريس

يستكشف قوة الحب والروابط الإنسانية

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

عُرض فيلم " نجوم الأمل والألم" للمخرج اللبناني سيريل عريس ضمن برنامج "أيام فينيسيا" في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الـ 82.

بعد فيلمين وثائقيين نالا استحسان النقاد عُرضا في كارلوفي فاري (الأرجوحة والرقص على حافة بركان، وحصلا على تنويه خاص من لجنة التحكيم)، يتجه سيريل عريس الآن نحو الخيال ليُمتع الجمهور بفيلم مفعم بالأمل، يُشيد بقوة الروابط الإنسانية وقدرتنا على التكاتف لإيجاد القوة لمواصلة الحلم.

يحكي فيلم "نجوم الأمل والألم" قصة حب دامت أكثر من ثلاثين عامًا بين نينو (حسن عقيل) وياسمينا (التي تُجسد دورها بحماس الممثلة وكاتبة السيناريو والمخرجة مونيا عقل، التي تعاون معها عريس سابقًا كمونتيرة في فيلمه "كوستا برافا".

وبالتوازي مع قصتهما والرابطة الجذابة التي تجمعهما رغم كل شيء، يصور الفيلم عدم استقرار بلدٍ واحد، لبنان، الذي يتأرجح باستمرار بين الأمل ولحظات اليأس المطلق حيث يبدو كل شيء وكأنه يغرق في الفوضى وعدم اليقين.

في هذا السياق، حتى أمتن العلاقات قد تنهار لا محالة، ومع ذلك، ورغم الظل الذي يخيم على مستقبلهما، تنجح علاقة ياسمينا ونينو في الصمود.

ربما تكون قدرتهما على الضحك من الحياة، وإيجاد بصيص أمل في أصعب اللحظات، والحلم عندما يبدو المستقبل مشؤومًا، هي ما يجمعهما.

بين اليأس والأمل، يتمسك البطلان بالحب والاحترام اللذين يربطهما، رغم اختلافهما العميق: فهي براغماتية، بينما هو منفتح ومتقلب.

يستكشف الفيلم المعضلة التي تخيم عليهما كضباب خفيف ولكنه مستمر: هل لا يزال من الممكن تخيل مستقبل في لبنان؟، ماذا لو كانت الهجرة السبيل الوحيد لتوفير حياة مختلفة لابنتهما؟، يجد الزوجان نفسيهما في مأزق عندما تكتشف ياسمينا فرصة للانتقال إلى دبي للعمل.

يستكشف فيلم " نجوم الأمل والألم" بدقة قوة التواصل الإنساني، فهو لا يُظهر فقط قوة الحب والروابط الإنسانية، بل يُظهر أيضًا قوة الفكاهة المُنقذة التي تتجلى طوال الفيلم.

الضحك والحب والبكاء، سواءً من الألم أو الفرح، هي السبيل الوحيد لشخصيات الفيلم لمواصلة الأمل في لبنان الذي ينعم أخيرًا بالحرية.

سرد قصة حب، تمتد أيضًا لثلاثة عقود، أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر بلا شك، لكن شخصيات البطلين المعقدة وغير التقليدية تمنع المخرج من الوقوع في فخ العاطفية.

مُعززًا بصور أرشيفية وموسيقى مدروسة ببراعة، يقود الفيلم الجمهور بين الواقع والخيال، والأمل واليأس، والحاجة إلى الهروب والخوف من المغادرة؛ مشاعر متناقضة تُعبّر عن هوية بلدٍ متغير باستمرار.

 

####

 

«ملكة القطن» عُرض في مسابقة «أسبوع نقاد فينيسيا»

سوزانا ميرغني تروي قراءتها للسودان وثرواته المنتهكة

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

استقبل جمهور مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الفيلم السوداني “ملكة القطن” للمخرجة سوزانا ميرغني بالتصفيق والإعجاب الشديدين بعد عرضه العالمي الأول بمسابقة أسبوع النقاد في الدورة الثانية والثمانين من المهرجان.

يعرض الفيلم حكاية تدور أحداثها في قرية سودانية تشتهر بزراعة القطن، حيث ترعرعت البطلة نفيسة على قصص بطولية عن محاربة المستعمرين البريطانيين ترويها لها جدتها، ربة القرية “الست”. ولكن عندما يصل رجل أعمال شاب من الخارج بخطة تنمية جديدة وقطن مُعدّل وراثيًا، تصبح نفيسة محور صراع سلطة لتحديد مستقبل القرية.

تستيقظ نفيسة على قوتها، وتنطلق لإنقاذ حقول القطن ونفسها. لكن لن تعود هي ومجتمعها كما كانا. وبين أسطورة “ملكة القطن” التي ألهمتها طفولتها والواقع الذي يفرض نفسه بقسوة، تنطلق نفيسة في معركةٍ لإنقاذ حقول القطن السوداني وإنقاذ ذاتها من الضياع.

ويسلط الفيلم الضوء على موضوع مهم في السودان وهو زراعة القطن التي ظلت لسنوات طويلة من أبرز أعمدة الاقتصاد الوطني، حيث يُعرف بـ”ذهب السودان الأبيض”، وأسهم في توفير فرص عمل وعائدات تصديرية مهمة، إلا أن هذه الزراعة شهدت تراجعًا حادًا منذ تسعينات القرن الماضي بسبب سوء الإدارة، وتفكيك المشاريع الزراعية الكبرى، وقلة الدعم للمزارعين، فضلا عن المنافسة من القطن المعدّل وراثيا عالميا. ورغم محاولات الإحياء المعاصرة، خاصة عبر إدخال أصناف معدلة وراثيًا، فإن هذه الجهود ما زالت تثير مخاوف بشأن التأثيرات البيئية والسيادة على الموارد.

وتعتبر زراعة القطن في السودان مرآة لصراع أعمق يتجاوز مجال الزراعة، ويعكس أسئلة حول الأرض والهوية والعدالة الاقتصادية.

ملكة القطن” إنتاج مشترك بين ألمانيا وفرنسا وفلسطين ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية. وتتولى شركة التوزيع “ماد ديستريبيوشن” مهام توزيعه في العالم العربي بالتعاون مع فيلم “كلينك أندي ديستربيوشن”.

العمل السينمائي من تأليف وإخراج سوزانا ميرغني، وتصوير فريدا مرزوق، مديرة التصوير السينمائية ذات الإنتاج الغزير التي عملت في فيلم “سماء بلا أرض” الذي افتتح مسابقة “نظرة ما” في مهرجان كان السينمائي هذا العام.

أما الموسيقى التصويرية فهي من تأليف التونسي أمين بوحافة، الملحن الذي عَمِل في “عائشة لا تستطيع الطيران” و”كان ياما كان في غزة” المتنافسين على جائزة مهرجان كان، ومونتاج أمبارو ميخياس وسيمون بلاسي وفرانك مولر، وبطولة مهاد مرتضى ورابحة محمد محمود وطلعت فريد وحرم بشير ومحمد موسى وحسن محي الدين.

وصانعة الفيلم، سوزانا ميرغني، هي مخرجة أفلام سودانية – روسية. فاز فيلمها القصير “الست” الصادر عام 2020، والمعروض على نتفليكس الشرق الأوسط، بجائزة Canal+ في كليرمون فيران عام 2021، من بين جوائز دولية أخرى. من أحدث أفلامها القصيرة: “صوت افتراضي” عام 2021، وعرض في مهرجان تريبيكا السينمائي، و”كامالا إبراهيم إسحاق: حالات الوحدة” عام 2022، بتكليف من معارض سربنتين. وفاز فيلم “ملكة القطن” بجائزة آرتكينو في مهرجان كان السينمائي عام 2022، وهو أول فيلم روائي طويل لسوزانا.

وتتميّز المخرجة ميرغني بأسلوب بصري شاعري يجمع بين البساطة الريفية والعمق الرمزي، ما يمنح أعمالها طابعًا فنيًا خاصًا يلامس القضايا الاجتماعية والسياسية دون أن يفقد الحس الإنساني.

في فيلم “ملكة القطن” واصلت ميرغني منهجها في تقديم شخصيات نسائية قوية تتحرك في فضاءات محلية محمّلة بالأسئلة الكبرى عن الهوية والسلطة والانتماء، وهي تميل إلى الإيقاع الهادئ واللقطات الطويلة التي تتيح للمشاهد تأمل التفاصيل، وتُوظف الطبيعة والبيئة المحيطة كعنصر درامي بحد ذاته، ما يجعل من الفيلم تجربة حسّية تتجاوز الحكاية المباشرة. كما تبرز في أعمالها نزعة نقدية هادئة تجاه الموروث والحداثة على حد السواء، مستخدمةً الرمز والتلميح بدلاً من الخطاب المباشر، وهو ما يمنح أفلامها طبقات متعددة للقراءة والتأويل.

 

موقع "سينماتوغراف" في

05.09.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004